يبدي المرجع علي السيستاني قلقاً من ألا يمثل الشيعة العراقيون تمثيلا عادلا في الحكومة المقبلة، في معرض تعبيره عن مخاوف من ألا تعقد الانتخابات في ميعادها المحدد في شهر يناير المقبل. وحتى إذا ما عقدت الانتخابات وفق الجدول المقرر لها، فهناك الكثير من رجال الدين السنة يحثون أتباعهم على مقاطعتها في المنطقة الأكثر اضطراباً في وسط البلاد. لكن على أية حال، فربما لا يكون الموقف الانتخابي هناك، بكل هذا التشاؤم الذي بدا في التعليقات أعلاه. فما يمكن قراءته في رسالة السيستاني هذه، هو أن تدخله يعبر عن مجهود لتحسين الفرص الانتخابية للطائفة الشيعية أكثر من كونه مسعى لعرقلة العملية الانتخابية بحد ذاتها. ثانياً والأهم من ذلك، أن تأجيل إجراء الانتخابات وفقاً لجدولها الزمني المعلن، لا يعني نهاية العالم. بل على نقيض ذلك، ربما يكون قرار التأجيل هو المطلوب بالضبط، حتى ترى كافة الفئات الدينية والعرقية هناك أن الانتخابات شرعية، وشاملة لها جميعاً.
في الحقيقة، فإن الأسباب وراء هذا التأجيل، لها علاقة بالطائفة السنية، أكثر مما لها مع السيستاني وجماعته الشيعية. فبدون مشاركة المسلمين السنة في الانتخابات المقبلة، فإن النتيجة النهائية للانتخابات، ستكون أسوأ من السوء نفسه. ليس صعباً علينا أن نفهم هذا، حين ندرك أن الهدف النهائي للانتخابات ليس هو مجرد اختيار حكومة شرعية فحسب، بل الأهم من ذلك، انتخاب قادة شرعيين يتمتعون بالقدرة على التفاوض من أجل إقرار دستور عراقي دائم. وعلى الرغم من أن الدستور الدائم سوف يكون بمثابة ضمانة لصيانة كافة الحقوق الأساسية للمواطنين، إلا أنه فوق ذلك، سيكون بمثابة صفقة سياسية لاقتسام السلطة بين مختلف الطوائف والفئات العراقية، سنة وشيعة وأكراداً، إلى آخره.
وعليه، فإذا ما جرى استبعاد السنة من الانتخابات لأسباب أمنية، أو في حال إقدامهم هم على مقاطعة الانتخابات، فإنه سيتعذر عليهم في كلتا الحالتين انتخاب قادة يتمتعون بالصلاحية والشرعية اللتين تؤهلانهم للتفاوض باسمهم، والتعبير عن مصالحهم والدفاع عنها. لذا فإن التفاوض حول دستور عراقي دائم، دون مشاركة المسلمين السنة فيه، سيكون أشبه بتقديم مسرحية "هاملت" الشهيرة، دون أن تظهر فيها شخصية الأمير، الذي هو هاملت نفسه!
هذا هو بالضبط ما سيحدث، ما لم تتمكن قوات الأمن الأميركية والعراقية معاً، من استعادة الأمن للمثلث السني المضطرب، وتحقيق قدر معقول من الاستقرار فيه، بحيث يصبح ممكناً إجراء الانتخابات فيه، والحيلولة دون مقاطعة قيادات المسلمين السنة للانتخابات. وعلى الرغم من أن بعض الزعامات السنية قد نصحت أتباعها بمقاطعة الانتخابات المقبلة، إلا أنه لا يزال في الإمكان تغيير هذا الاتجاه، فيما لو أثبتنا للمقاتلين والمتمردين، أنه ليس في وسعهم تحقيق نصر عسكري، وأن أمامهم فرصاً كبيرة لتحقيق مكاسب سياسية في حال انضمامهم إلى العراق الجديد، عبر المشاركة في الحكومة المنتخبة المقبلة. وعلى المدى البعيد، فليس ثمة سبيل آخر، لوضع حد للتمرد، سوى تجفيف مشاعر السخط الطاغية في المثلث السني. ويتطلب هذا، الإمساك بعصا القمع العسكري بيد، وبجزرة الحوافز السياسية باليد الأخرى. وفيما لو قرر المسلمون السنة عدم المشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، فإن ذلك يعني أن نذر حرب أهلية، تلوح في أفق المستقبل العراقي.
وربما يتطلب خلق الظروف الملائمة لمشاركة المسلمين السنة في الانتخابات، بعض الوقت، شريطة أن تستحق النتيجة النهائية لهذا الانتظار الزمن الذي سينفق من أجلها. وفيما إذا تطلب تحقيق هذا الهدف، تأجيل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، فليكن. فما موعد يناير المقبل، سوى موعد افتراضي عشوائي، شأنه في ذلك شأن أي موعد افتراضي عشوائي يضرب في مسار العملية الانتقالية في أي بلد من بلدان العالم. لذا فإن التمسك بالموعد المضروب سلفاً، غير مثمر ولا طائل منه، إذا ما كانت الانتخابات التي ستجرى فيه، سينظر إليها في نهاية المطاف، على أنها غير شرعية، ولا تمثل إرادة الشعب العراقي.
أما بالنسبة للسيستاني، فإن مشكلته الرئيسية لها صلة بخطة سياسية تدعو لها بعض الأحزاب - سيما الجماعات الكردية والشيعة العائدون من المنفى- هدفها التوصل لإعلان قائمة انتخابية موحدة ومجمع عليها. وفي وسع هذه القائمة أن تحرز نصراً انتخابياً ساحقاً عبر صناديق الاقتراع. وكما هو واضح في نظر السيستاني، فإن تمثيل الشيعة في حال فوز القائمة الموحدة، لن يتجاوز نسبة 55 في المئة من جملة مقاعد الحكومة المرتقبة. غير أن ما يعترض عليه السيستاني، هو أن هذه النسبة قد بنيت على معلومات إحصائية قديمة عفا عليها الزمن، تغفل نسبة الشيعة من إجمالي التعداد السكاني الحالي للعراقيين.
وفي عالم السرية الانتخابية الذي نعيش فيه اليوم، فإن ترتيب الأسماء في القوائم الانتخابية، يحدد بدرجة كبيرة، لمن سيكون الحظ الأوفر في الحصول على عدد أكبر من المقاعد في الجهاز التشريعي. ولذلك فإن هذا الترتيب