تخيلوا معي أن هناك برنامجاً حوارياً تلفزيونياً يقوم مقدمه بمناقشة مزايا وعيوب أكل لحوم البشر، وما إذا كان قتل الناس وأكل لحومهم وأكبادهم وقلوبهم حراما أم حلالا. ثم تخيلوا أنه يفعل ذلك بمنتهى الجدية، وأن البرنامج يجري بثه في وقت الذروة.
هذا هو ما حدث يوم الثلاثاء الماضي، بل إن مقدم برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تقدمه قناة "الجزيرة" ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
في حلقة البرنامج التي أذيعت الأسبوع الماضي استضاف "القاسم" ضيفاً مصرياً، سمح له بأن يقوم على مدى ساعة كاملة، وبتفصيلات تبعث على الغثيان، بالدفاع عن قطع رؤوس الرهائن، باعتباره يمثل عملاً مشروعاً من أعمال "المقاومة" ضد من أسماهم بـ"الأميركيين الكلاب".
"... ليس مهما أن يكون هؤلاء الرهائن الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة عسكريين، أو مدنيين، أو موظفين في مشروعات الإغاثة، أو جواسيس، فكلهم مرتزقة..." هذا ما قاله الضيف المصري صارخاً بأعلى صوته بينما راح "القاسم" يشجعه على الاسترسال في كلامه. صدق المثل القائل:"إذا لم تستح فأصنع ما شئت". وحقاً إن العروبة والإسلام من هؤلاء الناس بريئان.
إلى أين تعتقد قناة "الجزيرة" والسيد "القاسم"، أنهما آخذان مشاهديهما المتحدثين باللغة العربية- الصغار منهم قبل الكبار- عندما يقومون بعرض برنامج يكاد يصل إلى مرتبة أن يكون منبراً لإصدار فتاوى دينية باسم الله، وباسم الإسلام؟. هل يدرك "القاسم" ومحطته، مدى الضرر الذي يلحقانه بهذا الدين الحنيف الذي يؤمن به ما يزيد على 1.2 مليار نسمة في العالم، وهل يدركان مدى التلويث الذي يلحقانه بأدمغة المسلمين عندما يقومان بإذاعة هذه القمامة الإعلامية عليهم؟
إن "فيصل القاسم"، الذي يقدم برنامجاً معروفاً بغوغائيته ونبرته الزاعقة قد تدهور أكثر فأكثر وهبط إلى درك من السلوك ليس له مثيل في انحطاطه. فباعتباره مقدم هذا الحوار غير المعقول، قام "القاسم" بتحريض، وتشجيع، ومباركة، هذا المعلق السياسي المصري المدعي، كي يحاجج بأن قطع رؤوس البشر، وفصلها عن أجسامهم بطرق في غاية البشاعة، هو شيء لا غبار عليه لأنه يتم باسم الإسلام، وباسم الله، واسم المقاومة للاحتلال الأميركي، ولأنه يؤدي إلى تلقين الأميركيين درساً لن ينسوه.
ألم يكن من الأفضل أن نعلم أطفالنا شيئاً غير هذا؟ ماذا سيتبقى في عقول أبنائنا وهم يستمعون إلى هذه الدعاوى المجانية لقتل وتشويه وكراهية واحتقار ونبذ (الآخر)، حتى لو كان هذا الآخر صحفياً، أو عاملاً، أو موظف أمم متحدة، رجلا كان أم امرأة جاء في الأصل لخدمة أهل العراق؟
في برنامج "القاسم" التلفزيوني كان صاحب الرأي المعارض لضيف الحلقة رجلاً عراقياً، حاول يائساً أن يدين هذه الأعمال الوحشية المنافية للإنسانية، ولكنه لم يجد الكلمات المناسبة التي تساعده على التعبير. ومن ذا الذي يستطيع أن يجد الكلمات التي يمكن أن يعبر بها عن بشاعة تلك الأفعال؟ هناك نقطة تتوقف عندها حرية التعبير، لتبدأ عندها الوحشية وسفك الدماء.
ومن الواضح أن قناة "الجزيرة" والسيد "القاسم" لا يعرفان موضع هذه النقطة بالضبط. إنني أعتقد أنه كان يجب على رعاة هذه المحطة أن يقطعوا إرسال هذه الحلقة، ثم يقولوا لمقدمها "تفضل أنت مطرود" وأن يقوموا بعد ذلك بالاعتذار للعرب والمسلمين وللعالم المتحضر بأكمله، عن هذه الوصمة التي ألحقها بهم هذا المذيع.
سواء رضينا أم كرهنا، فإن الحقيقة هي أن قناة "الجزيرة" تجتذب أعداداً ضخمة من المشاهدين المتحدثين بالعربية. ولكن تلفزيون "الجزيرة" يجب أن يأخذ هذه الحقيقة على أنها تضيف مسؤولية وأعباءً على عاتقة، ولا يقوم باستغلالها فقط من أجل تحقيق نجاح قابل للاستثمار تجارياً.
إذا ما كانت هناك فضائية تنوي الحديث باسم الإسلام، فإن رؤساءها ورعاتها يجب أن يتأكدوا أولا، من أنهم لن يقوموا بالبصق في البئر التي يشربون منها. إن قناة "الجزيرة" ليس لها الحق على الإطلاق في السماح لأشخاص جهلة ولمقدمي برامج مستهترين، بأن يلحقوا المزيد من الضرر، ويشوهوا سمعة جميع العرب والمسلمين، من خلال القيام بعرض برنامج يقوم بمناقشة قطع رؤوس البشر. ففيما يتعلق بهذا الأمر لا مجال للحديث عن المساوئ والمحاسن. فالأمر واضح وجلي، وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها قناة "الجزيرة" بتقديم هذه النوعية من البرامج المسمومة.
ومما يحسب لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية أنها شجبت بأقسى العبارات الشيخ "يوسف القرضاوي"، الضيف الدائم في قناة "الجزيرة"، والذي سمحت له تلك المحطة بإصدار فتاوى دينية مضللة على الهواء مباشرة، وفي أوقات الذروة ، يقوم فيها بتحليل دم الأميركيين في العراق، وفي مرات أخرى يقوم بتحليل ضرب الزوجات. ففي مقالة افتتاحية لاذعة نشرت بعدد صحيفة "الاتحاد" الصادر في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري، وصفت الصحيفة فتاوى القرضاوي بأنها تمثل "دعاوى" و"تحريضاً" و"افتراءات" محضة. مضيفة أن المصيبة تحدث عندما يتلقف الجاهل قولاً من فم مدَّع ٍ وأفاق يسير في ظلمات تيهه،