بقدر ما أباح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لنفسه حريات القتل والاغتيال والتدمير بالشعب العراقي بحجة محاربة الإرهاب. ومحاربة الإرهاب ذات نفس طويل قد تدوم سنوات طويلة وهي تتطلب أشكالاً عدة من المكافحة، بقدر ما أعطى إسرائيل وتحديداً أرييل شارون حق إبادة الشعب العربي الفلسطيني بقتله واغتياله وتدمير مساكنه طالما أن المقاومة الوطنية الفلسطينية تقوم بأعمال "إرهابية". وتتطلب مكافحتها اتباع أشكال عدة من القتال. وهكذا راح شارون يطبق خططه في الاغتيال والقتل والتدمير حتى إنه أعاد احتلال جميع مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة وكثف قواته المسلحة في مدن وقرى الجولان السوري المحتل.
وتبلغ الحماية الأميركية لإسرائيل حدّ منع مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار يدين إسرائيل على سياساتها وممارساتها بحجة أن الشعب العربي الفلسطيني يقوم بعمليات "إرهابية". وليست العمليات الإسرائيلية في أراضي الضفة والقطاع بأكثر من محاربة للإرهاب. وقد استطاع شارون أن يقنع الرئيس الأميركي بوش بذلك.
وقد تجاوز شارون جميع أحكام القانون الدولي كما تجاوز بوش ذلك، مع العلم أن إسرائيل والولايات المتحدة قد وقعتا على جميع المعاهدات السابقة المتضمنة أحكام القانون الدولي بشأن الحرب والعمليات الحربية. وقد اغتنم بوش جدة عمليات الإرهاب وبخاصة أن القانون الدولي- المؤلف من الميثاق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية السابقة- لا يتضمن أحكاماً مفصلة بشأن مكافحة الإرهاب. ويمكن تلخيص انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وأحكامه بشأن إعادة احتلال الضفة والقطاع بما يلي: 1- قتل المقاومين واغتيالهم، 2- منع التجول إلا في الأوقات المحدودة جداً، 3- طرد المواطنين من بيوتهم وتدميرها، 4- خلق أجواء وشروط الترحيل الطوعي "الترانسفير" وذلك بإجبار المواطنين على توقيع تصريحات بأنهم غادروا بمحض رغبتهم بيوتهم، 5- اعتقال الرافضين والمخالفين وقتل بعض منهم على مرأى من باقي الموقوفين لإرهابهم وإجبارهم على الهجرة، 6- نهب الآثار، 7- إنشاء المستعمرات، 8- إتلاف المحاصيل الزراعية في الأراضي المعاد احتلالها ومنع المزارعين من جني المحاصيل وقتلهم، 9- فرض المناهج الدراسية بعد تعديلها على طلاب الأراضي المحتلة، 10- النفي الجماعي، 11- الممارسات والقوانين العنصرية، 12- إضافات متعلقة بانتهاكات قانونية.
وإذا كانت أحكام القانون الدولي تحدد المسؤولية عن الانتهاكات في أعمال سلوك القوات المسلحة للدولة القائمة بالاحتلال- وهي إسرائيل في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة في العراق- فإن الدولة القائمة بالاحتلال تتحمل المسؤولية وتتعرض للجزاءات التي تفرضها تلك الأحكام، والتي وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل على معاهداتها واتفاقياتها.
ومن المسلم به أن لكل دولة الحق في محاكمة جنود العدو الذين ينتهكون قوانين الحرب (ومنها اتفاقية لاهاي العاشرة المؤرخة في 18/10/1907 الخاصة بتطبيق اتفاقية جنيف 1906 واتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 (12/8/1949) وهي اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان واتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى بالقوات المسلحة في البحار واتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب واتفاقية جنيف الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب).
وتدعو سياسات وخطط شارون في إعادة احتلال الضفة والقطاع، وكذلك سياسات وخطط بوش في احتلال العراق وبخاصة بعد فضائح سجن أبو غريب إلى معاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات ومدبريها والذين أمروا بتنفيذها وبخاصة أن مسؤولية كل منتهك معروفة ومحددة. إن مصير منتهكي القانون الدولي يجب أن يكون مماثلاً أو شبيهاً بمنتهكي القانون الدولي من السلطات النازية التي انتهكت القانون الدولي أثناء احتلالاتها لبعض الدول الأوروبية.
وقد يكون المنتهكون لأحكام القانون الدولي عرضة للملاحقة والمحاكمة أمام محاكم بلادهم ذاتها، إذا ما حوت القوانين الجزائية للدولة مثل هذه الملاحقة والمحاكمة. فقد تضمنت أحكام اتفاقيات جنيف للعام 1949 أن تصدر الدولة التشريعات اللازمة لمعاقبة مقترفي المخالفات لأحكامها أو الآمرين بالقيام بها وتنفيذها. أما لائحة اتهام الرئيس الأميركي جورج بوش الابن فتتعلق بمجلس الأمن والميثاق للأمم المتحدة، فقد خالفهما- حسب قول أنان- حين شنّ الحرب على العراق.