حملت وكالات الأنباء قبل أيام، ومن بين الصور المفجعة التي تحول أي يوم من أيام السنة الى يوم لتأمل هذا العالم ومآسيه، حملت صورة رينا كوماري. وهي طفلة هندية في الخامسة من عمرها تعيش مع أخواتها على ضفاف نهر مهانندا في مدينة سيليغوري الشمالية الشرقية. لا منزل لها ولا لعبة. رينا الجميلة السمراء تستيقظ مع الفجر الرطب، وتتوسل والدها أن يتركها تنام المزيد، إلا أنه يرفعها بقوة عن سريرها الأرضي وينقلها حملا الى مكان العمل. العمل، ليس للوالد إنما لرينا التي تجلس كل يوم،12 ساعة متقطعة ممسكة بأزميل حقيقي بدل اللعبة أو الكتاب تكسر حجارة. إنها مهنة العائلة. فرينا وعائلتها المؤلفة من 10 أشخاص يكسرون الحجارة طيلة الشهر ليحصلوا مجتمعين على 700 روبية أي ما يوازي 15 دولارا. على فكرة الحجارة التي يكسرونها طيلة الشهر تكون في النهاية حمولة شاحنة.
إذا أحزنتكم قصة رينا الهندية وأوجعت قلوبكم صورة رجليها الداميتين ويديها الصغيرتين اللتين تشققتا من جفاف الكلس الأبيض عليهما، فلتعلموا أنها ليست لوحدها. في الهند الديمقراطية القديمة أكثرمن400 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر الدولي أي بأقل من دولار واحد في اليوم. بين هؤلاء ملايين من الأطفال يعملون ليل نهار، ومنهم ملايين ينتشرون في شوارع المدن الهندية يتسولون للبقاء على قيد الحياة.
أما في العالم العربي، فحدث ولا حرج. من مصر الى اليمن الى لبنان وغيرها الكثير من الدول، تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال ويزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر.
أحد التقارير أفاد أن عدد الأطفال العاملين في اليمن وصل مؤخرا الى 20 بالمئة من مجموع أطفالها، وأن الفقر يزداد... وكذلك الغنى، ولكن النسب متفاوتة.
الأمر نفسه يحدث في مصر، ومنذ زمن بعيد. فـ"الواد بيليا" أي الولد الميكانيكي بات على مر السنين علامة فارقة في الأفلام والمسلسلات المصرية... وهو كذلك في الحياة اليومية. إلا أن الولد الميكانيكي تمدد ووصلت الطفولة المشردة والقاسية والمهزومة الى السوبر ماركت والنجار واللحام والمرآب وصاحب عربة الزبالة والسمكري... و"غرز" الكيف والحشيش.
أما عن لبنان، فالتسول والتشرد باتا من آفات المرحلة، خاصة عندما نعلم أن التسول في لبنان أصبح "مهنة إقليمية"، يستقدم لها أطفال من الجوار للتسول في المواسم والصيف حيث يكثر السياح العرب، كما لو كان عدد الفقراء في لبنان لا يكفي. والحقيقة أن عمالة الأطفال اللبنانيين بعيدة عن التسول لأن معظم العمال من عائلات كانت مستورة، وصل بها الفقر والعوز حد إخراج عيالها من المدارس، لإدخالهم معترك العمل. لا توجد إحصائيات حديثة تحدد عدد الأطفال العاملين في لبنان إلا أن أوضاعهم شبيهة بأوضاع زملائهم المصريين واليمنيين، يكثرون مع ارتفاع الضرائب وسعر الدواء ورغيف الخبز وجالون البنزين والجهل وسعر رزمة القات و"قرش" الحشيش أو "البانجو"... يكثرون كلما ارتفع سعر قسط المدرسة وثمن الكتاب وكلما أقفل باب مستشفى في وجه مريض، وكلما زادت الرشوة واغتنى المسؤول واللامسؤول من مال حرام.
ليدي رينا الهندية لعبة، وليدي أي طفل في عالمنا وحولنا قسينا عليه طلب غفران.