في الثامن عشر من سبتمبر، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا بالإجماع، طالبت فيه إيران بتجميد العمل في برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم. ونص القرار على أن الهيئة ستقوم في اجتماعها القادم الذي سيعقد في فيينا، بمراجعة الخطوات التي ستتخذها الحكومة الإيرانية في هذا الشأن للتأكد من مدى ملاءمتها. وبعد مرور ثلاثة أيام على إعلان قرار الوكالة، أعلن الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن إيران سوف تواصل تعاونها مع الوكالة في الوقت الراهن، إلا أنها سوف تمضي قدما في برنامجها النووي حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء العلاقة التي تربطها بالوكالة.
والحقيقة أن التحدي الإيراني الصريح للوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يكن تطورا مفاجئا. فعلى مدار الأسابيع الماضية، لم يتوقف الزعماء الإيرانيون عن توجيه النقد للأساليب المتشددة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية خلال المناقشات التي جرت بشأن البرنامج النووي لإيران في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لدرجة أن مسألة قيام أميركا بالتراجع عن تلك الممارسات تحولت الآن إلى موضوع كرامة وطنية بالنسبة للإيرانيين.
ولا نقصد من ذلك القول إن إيران ستشرع فورا في إنتاج أسلحة نووية بدافع الثأر لكرامتها، ولكننا نقصد القول إنها ستبذل قصارى جهدها لامتلاك القدرات التي ستمكنها من إنتاج تلك الأسلحة.
ومن ضمن الأسباب التي مكنت إيران من الاستهانة بالمجتمع الدولي في هذه القضية، أن إدارة بوش قد فشلت في توحيد أجهزتها المختلفة من أجل اتخاذ موقف موحد تجاه إيران. فالمتشددون في واشنطن، دفعوا باتجاه اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران أي استخدام المزيد من العصّي.. في حين رأى المعتدلون إن إيران لن تستجيب أبدا للضغط الأميركي دون تقديم المزيد من الجزر إليها.. وهو موقف يتماهى إلى حد كبير مع الموقف المهادن الذي تبناه الأوروبيون حيال تلك القضية.
وبدون سياسة واضحة تجاه إيران، ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية التي سيكون تركيزها الأساسي هو موضوع العراق وليس إيران، فإنه ليس هناك ما يدعو للدهشة من أن يقوم أصدقاء أميركا وخصومها، بتعليق كل شيء حاليا، والانتظار لما ستسفر عنه الانتخابات في نوفمبر، كي يحددوا السياسات التي سيقومون باتباعها تجاه تلك المسألة.
المشكلة هنا تكمن أنه كلما تأخر المجتمع الدولي في اتخاذ القرار الخاص بما يتعين عمله مع إيران، كلما زادت إيران قربا من امتلاك التقنية والإمكانيات التي تكفي لإنتاج أسلحة نووية.
عموما الوقت لم يفت بعد.. ولكن القيام بذلك الآن يتطلب ما هو أكثر من القيام بعملية شد آذان خفيفة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو فرض تشكيلة من العقوبات الاقتصادية المنخفضة المستوى من قبل مجلس الأمن الدولي. سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى ما هو أكثر من ذلك.. سوف تحتاج مثلا إلى شن حملة بالتنسيق مع الدول الأوروبية، وروسيا واليابان وربما الصين من أجل إقناع إيران أنه من غير المقبول بالنسبة لتلك الدول أن تواصل العمل في تخصيب اليورانيوم بغرض الحصول على وقود نووي، وأن المجتمع الدولي لن يجد أمامه في النهاية سوى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإيقافها عن المضي قدما في هذا الطريق، والتي ستبدأ أولا في صورة عقوبات اقتصادية مشددة من جانب شركاء إيران التجاريين الرئيسيين، ثم تتطور بعد ذلك إلى اتخاذ إجراءات أشد عنفا ضدها إذا ما لزم الأمر.
لكي تقوم الولايات المتحدة بذلك، فإنها يجب أن تكون في وضع يسمح لها بالقيادة وهو الأمر غير المتاح حاليا بالنسبة لها، بسبب تطورات الوضع في العراق. وما لم تعمل الولايات المتحدة على استقرار الأمور في هذا البلد المضطرب أولا، فإننا نشك أن يتمكن أي رئيس أميركي من توفير القيادة المعنوية والأخلاقية اللازمة لأي جهد دولي منسق يهدف لإنهاء طموحات إيران النووية.
البعض يرى أن إيران ربما تقوم الآن بالمناورة والخداع لكسب الوقت قبل أن تقوم بإدخال أي تعديلات على برنامجها النووي. وإذا ما كان الأمر كذلك حقا فإنه يتعين على إيران ألا تراهن على خسارة بوش للانتخابات لأن المرشح الآخر للرئاسة جون كيري، قد صرح أكثر من مرة أنه لو نجح في الانتخابات القادمة، فإنه سيقوم بوضع الملف النووي الإيراني على قائمة أجندة سياسته الخارجية.