أثارت خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون للانسحاب الأحادي الجانب هبَّة كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي وحركت التناقضات التي كانت كامنة بداخله بصورة فجائية وقوية. لقد أصبح واضحاً الآن أن خطة شارون للانسحاب من غزة تلاقي معارضة شديدة سواء من داخل الليكود أو من المستعمرين/"المستوطنين" الذين نظموا مظاهرات صاخبة آخرها الأسبوع الماضي حيث تظاهر عشرات الآلاف منهم منددين هاتفين ضد شارون وخطته وذلك بناء على دعوة "مجلس مستوطنات يهودا والسامرة وقطاع غزة" وهي أكبر منظمات المستعمرين.
لقد صعَّد المستعمرون/"المستوطنون" من اليمين المتطرف في إسرائيل بشكل خطير حملتهم ضد خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للانسحاب من قطاع غزة ملوِّحين "بحرب أهلية". وفي الوقت نفسه، دعوا الجنود الإسرائيليين إلى العصيان. ونشر نحو مائتي شخصية من المستعمرين/"المستوطنين" اليهود المتشددين عريضة اعتبروا فيها خطة الانسحاب من غزة وإجلاء ثمانية آلاف مستعمر/"مستوطن" بمثابة "جريمة ضد الإنسانية" ودعوا الجنود الإسرائيليين إلى رفض تنفيذ أمر الإجلاء. وقال موقعوا العريضة المناهضة للانسحاب إن "الجيش الإسرائيلي تأسس لحمايتنا من العدو وليس للانتقام من اليهود وطردهم من وطنهم" ودعوا الجنود والضباط ورجال الشرطة الإسرائيليين "إلى الاحتكام إلى ضمائرهم وعدم المشاركة في عمليات سيندمون عليها طوال حياتهم". وفي شهر يونيو الماضي، نشر حاخامات في مستعمرات/"مستوطنات" الضفة الغربية وقطاع غزة مرسوماً دينياً يمنع الجيش والشرطة الإسرائيليين من إخلاء المستعمرات/ "المستوطنات". ومن جهته، تحدث "آفي دينتشر" رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" عن وجود "مجموعة مؤلفة من 150-200 يهودي متطرف يمكنهم ارتكاب اعتداء ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي.
كما حذر المستعمرون/"المستوطنون" وزير الدفاع "شاؤول موفاز" من حرب أهلية بين الإسرائيليين إذا ما أصدر أوامره للجيش بإخلاء المستعمرين/"المستوطنين" من قطاع غزة بالقوة. ومن جهته، قال الناشط اليميني "الياكيم هعتسني" الأسبوع الماضي:"مكان رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون بجانب سلوبودان ميلوسوفيتش في المحكمة في لاهاي"، وأضاف "إنه يجب محاكمة من ينفذ أوامر إخلاء المستوطنات فهذه جريمة أخلاقية، إنها جريمة في حق الإنسانية". كما حذر عضو الكنيست "أوري أريئيل" رئيس الحكومة من "مغبة الدوس على أي مبدأ ديمقراطي على طريق خطة الانفصال" وقال:"إن ألم اليمين هو ألم حقيقي!! احتجاجاتهم حقيقية ومعاملة شارون لهم مخجلة". ومن جهته، حذر "يوسف لبيد" وزير العدل الإسرائيلي من خطورة الدعوات التي تطلق لمقاومة خطة إخلاء المستعمرات/"المستوطنات" في قطاع غزة بالقوة معتبراً أن هذه الدعوات قد تؤدي لاندلاع حرب أهلية في الدولة العبرية. وأضاف لبيد:"إن الذين يحرضون على مقاومة خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون لإخلاء المستعمرات/"المستوطنات" إنما يهددون سيادة القانون واستقرار البلاد".. وتابع قوله:"إن المنظومة القانونية وأجهزة العدالة في إسرائيل لن تبقى غير مكترثة بهذه التهديدات التي تنطوي على مخاطر ملموسة ويمكن أن تفضي لإشعال حرب أهلية". وفي الاتجاه ذاته، أدان "شمعون بيريز" زعيم حزب العمل الإسرائيلي التهديدات الصادرة عن بعض رموز اليمين الاستعماري الصهيوني المتطرف بمقاومة خطة شارون لإخلاء المستعمرات/ "المستوطنات" في قطاع غزة بالقوة والتصدي للجيش والشرطة حال قيامهما بتنفيذ هذه الخطة.
أما شارون فقد وجه انتقاداً شديد اللهجة للتهديدات التي أطلقتها جهات من بين أوساط اليمين المتطرف تجاه مسؤولي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقال:"أرفض هذا رفضاً تاماً، وأرى في ظاهرة توجيه تهديدات لضباط الجيش ظاهرة في غاية الخطورة". ودعا شارون وزيري الدفاع والأمن الداخلي باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل وقف هذه الظاهرة وأضاف:"إن على وزراء ليسوا مسؤولين بشكل مباشر عن الأمن أن يسمِعوا هم أيضاً صوتهم في هذا الأمر". وتابع شارون تصريحه قائلا:"قد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر وهذا أمر طبيعي وشرعي، لكن يجب إخراج الأجهزة الأمنية من هذا". ومن جهته، ردَّ عضو الكنيست "يوسي سريد" على تهديدات اليمين الإسرائيلي بإشعال حرب أهلية في حال تنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة بقوله:"من يهددنا بحرب أهلية فهو يقرب الخراب. الحرب الأهلية هي نهاية الدولة. رجال اليمين القومي والمستعمرون/"المستوطنون" يحبون الدولة إلى درجة أنهم مستعدون لفقدانها". وأضاف يوسي سريد:"المستوطنون وباقي الأصوليين يحبون الدولة عندما يدعون علناً إلى المسِّ برجال الشرطة وبالجنود. فجأة اكتشفوا الديمقراطية الإسرائيلية ويطالبون بإجراء استفتاء. الهدف من الاستفتاء الشعبي هو دفن خطة الانفصال نهائياً".
لا شك أن حركة الشد والجذب بين مختلف التيارات السياسية داخل الدولة العبرية تتزايد كلما اقترب الانسحاب من قطاع غزة الذي من المقرر أن يبدأ بين أواخر فبراير وبداية مارس ح