لا أختلف كثيراً مع فكرة ورأي أحد الوزراء الذي التقيته بالصدفة منذ أيام في بهو أحد الفنادق عندما تحدثنا عن دور الوزارات وما يعانيه بعضها من مشكلات كثيرة وفشل أخرى في تنفيذ خططها والتي يرى فيها:"أن الإنسان في بيته لا يستطيع أحياناً أن يفعل كل ما يريده فما بالك بوزارة ومسؤوليات كثيرة ومتشعبة".. من ناحية الشكل فإن هذا المبرر قد يكون مقبولا ولكن جوهره فيه قولان. والنقطة المهمة في هذا المبرر هي أننا نسلم بأن ما يحدث في البيت يكون في كثير من الأحيان لا خيار لنا فيه لأن الإنسان لا يستطيع أن يغير بيته بسهولة ولا يمكن أن يغير أبناءه أو زوجته كما أن الأبناء لا يمكن أن يغيروا أحد والديهم أو أشقائهم وبالتالي تكون المسألة صعبة جداً ولكن في الوزارة الأمر مختلف.. ففي مكان العمل نستطيع أن نغيِّر ونبدّل ونقدِّم ونؤخر ونستغني عن أشخاص ونستعين بآخرين كل ذلك من أجل أن نسير العمل بشكل صحيح وننفذ الخطط التي ترقى بالوطن وتخدم المواطن.
لن نتكلم عما كان يفترض أن تقوم به الوزارات من مشاريع وأخفقت فيها ولكننا نركز على مسألة واحدة مهمة هي التوطين... والواقع يؤكد أن الحكومة لم تنجح في هذه القضية لدرجة أن عدد الباحثين عن فرص العمل تجاوز 22 ألف شاب –بالطبع غير الذين فقدوا الأمل وصاروا لا يبحثون عن العمل عن طريق الحكومة- وإذا كنا نحن لم ننسَ كلمة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" في ديسمبر 2002 بمناسبة عيد الاتحاد الحادي والثلاثين فبالتأكيد أن الحكومة تذكر جيداً عندما طالب سموه جميع الوزارات والدوائر وقطاعات الأعمال المختلفة القيام بمسؤولياتها في التدريب والتأهيل لسوق العمل لإثبات القدرات الوطنية على صناعة مستقبل الوطن في عصر الاقتصاد المفتوح·
وقال سموه:"لقد أثبت مواطننا من خلال الإنجازات التي تمت أنه على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه فقد بدأ يأخذ مكانه الملائم في العمل الوطني وأصبحنا نراه رجلا وامرأة في كل مواقع هذا العمل يسند بقوة توجهات الدولة نحو التحديث والتطوير ويبرز الصورة الحضارية التي وصل إليها سلوكاً اجتماعياً ومهنياً وانضباطاً وظيفياً، نتطلع إلى أن يترسخ ويقوى في جميع أوجه العمل الوطني، ولن نقصر إن شاء الله في تزويد المواطن بالقدرات والمهارات اللازمة للارتقاء بأدائه المهني والعملي. وعلى الوزارات والدوائر وقطاعات الأعمال المختلفة أن تقوم بمسؤوليتها في التدريب والتأهيل لسوق العمل، فالتحدي القائم هو أن نثبت قدرتنا الوطنية على صناعة مستقبلنا في عصر الاقتصاد ا لمفتوح، وسيكون مصير أولئك الذين عجزوا عن التطور وتأخروا عن ركبه مصيراً لا نحبه لأنفسنا ولذا علينا جميعا أن نكون على مستوى التحديات التي تواجهنا"·
بعد هذه المطالبة الصريحة من رئيس الدولة تحمس مجلس الوزراء الموقر كثيراً في تلك الأيام وربما شعر بتقصيره في هذا المجال وفي جلسته التي عقدت يوم الاثنين 30 ديسمبر 2002 أعلن عن خطته القصيرة والمتوسطة المدى لتوطين الوظائف العامة في الوزارات والجهات الحكومية الاتحادية. لقد كانت خطة رائعة تفاءلنا بها كثيراً ولكننا لم نرَ نتائجها على أرض الواقع على الرغم من أن اللجنة المكلفة بها عرضت في مارس الماضي مذكرة مثيرة كشفت فيها أن نسبة التوطين في الوزارات والجهات الاتحادية في العام الماضي بلغت 54 في المئة متجاوزة النسبة المستهدفة في الخطة إليه وهي 52 في المئة أي بزيادة قدرها 2 في المئة. وأشارت إلى أن نسبة التوطين للوظائف الاعتيادية في الوزارات والمؤسسات الاتحادية بلغت 74 في المئة وفي الوظائف التخصصية والفنية 37 في المئة!! نسمع هذه الأخبار ولكننا في المقابل نجد أن هناك شباباً يبحثون عن عمل ونسبة البطالة تتزايد أمامنا وشباب يبحثون عن وظائف بأربعة وخمسة آلاف درهم ولا يجدون؟! المفارقة الغريبة هي أن سوق العمل في الإمارات تتسع لجميع الخريجين وللعرب والأجانب الموجودين في البلد حالياً ورغم ذلك هناك بطالة بين المواطنين وربما ما ينقص المواطن هو الدعم الذي يساعده على الحصول على الوظيفة فهذا ما ينقص المواطن وهو ما أشار إليه صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته عندما أكد على ضرورة التأهيل والتدريب. وللقيام بذلك فإن هذه المسألة بحاجة إلى قليل من التنظيم والاهتمام والإيمان بقدرات الشباب.
يذكر الجميع كيف أن مجلس الوزراء قام بإلزام كل الوزارات بوضع خطط فرعية يتم بموجبها تحديد نسبة التوطين السنوية بما يتفق ومدى البرنامجين الزمنيين القصير والمتوسط كما ألزم الهيئات الاتحادية المستقلة بوضع خطط تفصيلية لرفع نسبة التوطين.. وفي أول الأشهر كانت هناك تحركات وزيارات وتصريحات ما لبثت أن اختفت كلها اليوم وكل ما صار يقال عن التوطين اليوم ينحصر في أنه ليست هناك شواغر وأن عدد العاطلين في ازدياد، وقد ذكرت آخر إحصائية لهيئة "تنمية" عن شهر أغسطس 2004 أن عدد المواطنين الباحثين عن فرص عمل بلغ 22500 منهم 15000 إناث و7500 ذكور.
الخطة التي تحدثت عنها الحكومة لم ت