إذا ما كنت تريد أن تلقي بنظرة فاحصة على الجدل الدائر، حول ما إذا كان استهلاك كميات زائدة عن الحاجة من السكر، يشكل خطراً على صحتك. فننصحك بأن تكتفي بقراءة التوصيات النهائية التي جاءت في تقرير اللجنة الاستشارية للإرشادات الغذائية الذي نشر مؤخراً، ولا تمضي إلى ما هو أبعد من ذلك.
فبعد ساعات من المناقشات بين أعضاء تلك اللجنة، تم التوصل إلى صياغة ذلك التقرير الذي تم نشره منذ شهر تقريباً، والذي جاء خالياً من أية توصيات مباشرة بعدم الإفراط في استخدام السكر. ولكن إذا ما تجاوزنا التوصيات النهائية، وأمعنا النظر في صفحات ذلك التقرير فسنقرأ في الصفحة السادسة معلومات يبدو أن من قاموا بصياغة التقرير تعمدوا إخفاءها لسبب ما. وهذه المعلومات تتعلق بالمخاطر التي يمكن أن تترتب على استهلاك كميات زائدة من السكر، وخصوصاً من النوع الموجود في المشروبات الغازية والعصائر المحلاة. وعلى ما يبدو أن سبب قيام أعضاء اللجنة بوضع تلك المعلومات في مكان غير بارز، هو أنهم لم يرغبوا في البت بشكل حاسم في الموضوع، وفضلوا ترك الأمر كي يُفهم على الوجهين.
والسؤال الأول الذي سيتبادر إلى أذهاننا عندما نقرأ ذلك هو: ولكن هل السكر المضاف إلى أطعمتنا يمثل خطراً صحياً؟. حتى شهر أغسطس الماضي، كانت اللجنة منقسمة في الرأي إلى مجموعتين متساويتين بشأن الإجابة على هذا السؤال. وعلاوة على ذلك قامت الجمعيات والاتحادات التجارية التي تلعب دوراً كبيراً في التأثير في قرارات الحكومة الخاصة بالسياسات الغذائية بالإجابة على هذا السؤال بالقول:"لا ، لا.. السكر لا يمثل خطراً على صحتنا". أما الباحثون العلميون المستقلون وغير التابعين لجهة ما فقد قالوا وبصوت عالٍ:"نعم السكر يمثل خطراً على صحتنا".
بيد أن أعضاء اللجنة الاستشارية نفسها التي سبقت الإشارة إليها، قاموا بعد أن نظروا في دراستين حديثتين، واحدة نشرت في مايو، والأخرى في آخر شهر أغسطس، بتغيير رأيهم حول هذا الأمر حيث صوتوا بنسبة 8 مقابل 3 على أن هناك علاقة ما بين استهلاك كميات زائدة من السكر، وبين الحالة الصحية.
تاريخياً، كان النقاش حول علاقة السكر المكرر بالحالة الصحية أقل وضوحاً وحسماً، من النقاشات التي كانت تدور حول الأحماض الدهنية والدهون المشبعة، وذلك حسب قول الدكتور "مايكل جاكوبسون"، مدير "مركز العلوم من أجل المصلحة العامة"، وهو مجموعة استشارية متخصصة في مجال التغذية تقوم بمراقبة أداء المؤسسات الغذائية.
ويذكر في هذا السياق أن هناك دراسة تم إجراؤها بواسطة الدكتورة "شانثي باومان" وهي أخصائية تغذية تعمل في مصلحة البحوث الزراعية، التابعة لوزارة الصحة الأميركية، بينت أن الأشخاص الذين يحصلون على ما يزيد على نسبة 18 في المئة من السعرات الحرارية اللازمة لهم من السكر المضاف إلى أطعمتهم، هم في الوقت نفسه أشخاص يحصلون على مقادير من المواد الغذائية الأخرى أقل من نظرائهم الذين يستهلكون كميات أقل من المواد السكرية حسب المعدلات المحددة في هذا الشأن من قبل خبراء التغذية. وقد خلصت دراستان أخريان نشرت نتائجهما في مجلة الجمعية الطبية الأميركية، إلى نتيجة مؤداها أن الإفراط في استهلاك السكر عن طريق شرب كميات كبيرة من المشروبات الغازية أو العصائر المحلاة، له علاقة باكتساب المزيد من الوزن بالنسبة للنساء وبصرف النظر عن نمط الحياة، أو العناصر الغذائية الأخرى.
ويذكر أن هناك خمس مجموعات من الإرشادات السابقة الخاصة باستهلاك السكر والعلاقة بينه وبين البدانة، ظهرت في تواريخ مختلفة وخلصت ثلاث منها إلى نتائج متناقضة. في عام 1980 ظهرت مجموعة من الإرشادات تقول "تجنبوا استهلاك كميات كبيرة من السكر"، وفي عام 2000 كانت تلك الإرشادات تقول "عليكم الاختيار الدقيق بين أصناف المشروبات والعصائر واختيار الأقل احتواء على السكر منها". ولكن نفس اللجنة الاستشارية التي أصدرت تلك الإرشادات قدمت توصيات أخرى في العام نفسه 2000 تقول:"إنه لا توجد علاقة مباشرة بين الاتجاه المتنامي لتناول المزيد من السكر وبين ارتفاع معدلات البدانة".
بيد أن التوصيات الخاصة التي صدرت هذا العام (2004) تدلل على وجود مثل تلك العلاقة حيث ورد فيها ما يلي:"مقارنة بالأشخاص الذين يتناولون كميات صغيرة من الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على مقادير عالية من السكر، فإن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من تلك الأطعمة يستهلكون في الوقت نفسه كميات أقل مما يعرف بالمغذيات زهيدة المقدار: Micronutrients". وعلى رغم أن الأمر يستدعى إجراء المزيد من الدراسات للتوصل إلى رأي حاسم بالنسبة لهذا الموضوع، فإن الدراسات الأخيرة تشير إلى وجود علاقة فعلا بين استهلاك المشروبات المحلاة وبين اكتساب الوزن.
غير أن النتائج التي توصلت إليها تلك الدراسات لم تنشر بعد ولم تصل بالتالي إلى علم الجمهور. بيد أن الرسالة الواضحة التي تتضمنها خلاصات تلك الدراسات كما اطلعنا عليها هي:"عليكم بمراعاة الحكمة في استهلاك المواد الكربوهيدراتيه".