لقد ظل عدد الجنود الذين يقتلون في العراق يتصاعد ببطء، ولكن بانتظام وبمعدل جنديين يومياً في المتوسط. وفي الثامن من شهر أغسطس المنصرم، تجاوز العدد الـ 1000 قتيل، وهو حد الحرج السياسي. وكان مجموع عدد القتلى حتى أول مايو من عام 2003، هو 138 جندياً، عندما لم يتوخَّ الرئيس جورج بوش الحكمة بإعلانه عن انتهاء العمليات الحربية الرئيسة في العراق. كانت دهشتي عظيمة عندما علمت أن أكبر الجنود القتلى سناً، كان 59 عاماً، بينما كان أصغرهم سناً يبلغ 18 عاماً. ومن بين القتلى 24 جندية، والعدد نفسه تقريباً من بين الجنود الذين ماتوا انتحاراً، وهو أمر يعكس الكثير عن الحالة المعنوية للجنود الأميركيين في العراق. ومن الغريب أيضاً أن حوالي 20 من الجنود ماتوا في الأنهار وقنوات المياه العراقية.
وضمن الإحصاءات ذاتها فإن 115 من الجنود القتلى من ولاية كاليفورنيا، و13 في المئة من مجموع القتلى من الأميركيين السود. وهناك أيضاً عدد كبير من جنود الاحتياط التابعين للقوات الأميركية والبريطانية، خاصة وأن كلتا الدولتين اضطرت لاستخدام أعداد كبيرة من جنود الاحتياط، في سبيل الحفاظ على مستوى وحجم الوجود العسكري المستمر في العراق. يشار هنا إلى أنه لم يكن متوقعاً للعدد الغالب من جنود الاحتياط هؤلاء أن يؤدوا الخدمة العسكرية الفعلية في مواقع القتال والعمليات.
ولابد من وضع هذا الرقم الكبير من القتلى في سياق ما. فمجموع سكان الولايات المتحدة الأميركية، يكاد يصل إلى 300 مليون نسمة، إلا قليلا. ومع عودة الحملة الانتخابية الرئاسية إلى حرب فيتنام، واستعادة ماضي تلك الحرب، نذكر أن ضحايا الحرب الفيتنامية من الجنود الأميركيين، لم يتجاوز عددهم الـ58177 جندياً، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات. بالمقارنة ذاتها، فإن ضحايا أول حرب أميركية تخاض ضد صدام حسين، عام 1991، كان عددهم 293 جندياً.
وقد أبدت الولايات المتحدة تساهلا إزاء ارتفاع عدد قتلاها في العراق، أكبر مما تصور الكثيرون. واتخذت إدارة بوش إجراءات صارمة لحظر تصوير أكفان القتلى التي تصل من العراق، في حين لم تسمح بتصوير مراسم الدفن والتشييع إلا من على بُعد. ويلاحظ أن الرئيس بوش لم يحضر حتى هذه اللحظة، تشييع أي من الضباط أو الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق. وبدلا من ذلك، فقد حقق بوش نجاحاً في إقناع الأميركيين بأن هؤلاء الجنود الذين قتلوا في العراق، إنما هم جزء من الحرب الأوسع نطاقاً، المعلنة ضد الإرهاب الدولي، وإنهم لقوا حتفهم في شرف الدفاع عن الأمن القومي، والحيلولة دون وصول "الإرهاب" إلى بوابة الحدود الأميركية مجدداً.
غير أن تبريراً كهذا لن ينطلي على أحد في بريطانيا. فحتى هذه اللحظة، لم تفقد بريطانيا من جنودها المشاركين في الحرب على العراق، سوى 65 جندياً. وكما كتب 52 من الدبلوماسيين البريطانيين السابقين، في رسالة وجهوها إلى "توني بلير" في شهر إبريل الماضي، "فإذا كان عدد القتلى العراقيين على يد قوات التحالف الدولي يقدر بما بين 10 إلى 15 ألف مواطن عراقي، فإنه لمن العار ألا يكون للتحالف الدولي نفسه تقديراته الخاصة به لعدد القتلى". ومما لا شك فيه أن الرقم الحقيقي سيكون قد ارتفع كثيراً عما كان عليه، إثر اشتداد وطأة القتال والمواجهات الدامية التي شهدتها مدينتا الفلوجة والنجف خاصة.
وفي المقابل، كان الرئيس بوش قد اكتفى بتصريح موجز لحظة بلوغ عدد القتلى من الجنود الأميركيين 1000 قتيل: إننا نأسى لحياة أي قتيل بين هؤلاء. وسوف نحرص على تكريم ذكراهم بمواصلة المهمة التي بدأناها في العراق. أما وزارة الدفاع "البنتاجون"، فتعمل جاهدة وبقدر ما تستطيع، للحيلولة دون انفجار أعمال عنف واسعة النطاق في العراق، قبيل حلول الموعد الحاسم للمعركة الانتخابية الرئاسية في الثاني من نوفمبر المقبل. ولدى إلقاء نظرة إلى العراق من المملكة المتحدة، فإنه لا يبدو مرجحاً أن أميركا سوف تنهي المهمة التي بدأتها في العراق، وفق ما تتمنى وتأمل. ذلك أن مذكرة الدبلوماسيين البريطانيين السابقين المشار إليها آنفاً، ترى في تلك المهمة، أنها آيلة للفشل، لا محالة.
ومن الطرف الآخر من المحيط الأطلسي، اعترف وزير الخارجية الأميركي "كولن باول"، بأن هناك ثلاث مناطق في العراق، أصبحت "محرمة" على الأميركيين، هي الفلوجة، ومدينة الصدر، وسامراء. ولما كان الحال كذلك، فإنه من الصعب جداً أن يكون مؤشر كهذا دليل تقدم وعافية، إثر مضي 18 شهراً على الغزو غير الشرعي للعراق. ثم إن الحظر لا يقف عند هذه المدن الثلاث المذكورة وحدها، إذ أن مظاهر الفوضى وانفلات الأمن والقانون، تسود الكثير من المدن العراقية الأخرى. وفي الكثير منها، يجري اختطاف موظفي وعمال الغوث الإنساني الرئيسيين. كذلك، فإن الكثير من الطرق الرئيسية العراقية، لا تزال أبعد ما تكون عن الأمان.
وفي بريطانيا، هناك موجة من الانتقادات المثارة ضد الدور الذي لعبته المملكة في خطة الطوارئ الخاصة بمدينة البصرة. فالجنود هناك، شأنهم