إن نمو دول قوية ومزدهرة وديمقراطية في العالم الإسلامي، يعد هدفاً حيوياً للمصالح الأميركية في الوقت الراهن. وبناء على ذلك، قامت أميركا بتركيز معظم خططها على منطقة الشرق الأوسط. ولاشك أن تقديم الدعم اللازم لتعزيز الديمقراطية في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، يجب أن يكون هدفاً رئيسياً من أهداف السياسة الأميركية الخارجية.
وحالياً، تقوم إندونيسيا بإجراء أكثر انتخاباتها البرلمانية والرئاسية طموحاً منذ انتهاء عهد الجنرال سوهارتو عام 1998. فالسكان في مختلف أنحاء أرخبيل الجزر الإندونيسية، قاموا بالفعل بإعطاء أصواتهم لممثليهم، وسوف يقومون اليوم باختيار رئيس لجمهوريتهم. وعلى رغم أن الانتخابات المفتوحة تعد خطوة مهمة بالنسبة لإندونيسيا، إلا أن هناك الكثير مما يتعين القيام به على طريق إقامة حكومة ديمقراطية مستقرة.
فالديمقراطيات تعتمد على ما هو أكثر من الانتخابات. إنها تعتمد على حكم القانون، وعلى وجود مجتمع مدني نشط، وعلى حقوق الأقليات، واقتصاد السوق، وهي العناصر الرئيسية التي تقوم عليها الديمقراطيات عادة. والتحدي الذي يواجه إندونيسيا الآن هو ضرورة القيام بتنفيذ إصلاحات متسارعة في هذه المجالات، وفي غيرها مع الاهتمام بشكل خاص بمحاربة الفساد، وإصلاح النظام القضائي غير الكفء، وهما العنصران اللذان تركا الكثير من الإندونيسيين في حالة شك تجاه ديمقراطية ما بعد "سوهارتو"، كما أديا إلى صد بعض المستثمرين الأجانب.
هناك بالطبع بعد أمني للمشكلات التي تعترض طريق وصول إندونيسيا إلى الديمقراطية الكاملة. فهذا البلد الإسلامي الذي تمتع تقليدياً بالاعتدال والتسامح، أصبح الآن موطناً لمجموعات العنف الأصولية، وخصوصاً تنظيم (الجماعة الإسلامية) المرتبط بتنظيم "القاعدة"، والذي كانت له يد في التفجيرات "الإرهابية" التي وقعت في إندونيسيا وفي أجزاء أخرى من جنوب شرق آسيا، والتي كان آخرها ذلك التفجير الذي وقع خارج السفارة الأسترالية في جاكرتا. والسخط الشعبي تجاه الحكومة، والأحوال الاقتصادية المتردية يمكن أن تترك الباب مفتوحاً أمام الجماعات "الإرهابية" البارعة في استغلال المظالم والمصاعب المحلية في البلاد المختلفة، للقيام بأعمال "إرهابية"، وتجنيد أعداد كبيرة من الشباب الساخط على الأوضاع السائدة. وفي بلد يضم 17 ألف جزيرة فإن الخطر يكمن في احتمال تمكن جماعة "إرهابية" ما من الحصول على موطئ قدم إقليمي لها، بما يمكنها بعد ذلك من القيام بغرس عقائدها في أذهان الشباب، وتدريبهم، والتخطيط لتنفيذ أعمال "إرهابية" عن طريقهم.
وتشعر الولايات المتحدة بقلق متزايد إزاء هذا التهديد. فمنذ تفجيرات "بالي" أكتوبر عام 2002، مثلت مواجهة "الإرهاب"- محور ارتكاز السياسة الأميركية تجاه إندونيسيا- وهو أمر مفهوم بالطبع. ولكن، يمكننا مع ذلك القيام بتوسيع أجندتنا في إندونيسيا، بحيث لا تقتصر فقط على مجال تقاسم المعلومات والاستخبارات، والتعاون في عمليات القبض على العناصر "الإرهابية".
بعبارات مبسطة، نقول إن الولايات المتحدة مطالبة في الوقت الراهن بتسريع جهودها الرامية لدعم النمو الطويل الأمد، والاستقرار، والديمقراطية في إندونيسيا على اعتبار أن ذلك هو الذي سيؤدي في النهاية إلى تقويض قواعد "الإرهابيين".
كبداية، يمكن للولايات المتحدة أن تعزز التزامها بتطوير التعليم في إندونيسيا. ولقد وضعنا الرئيس بوش على المسار السليم في هذا الشأن، عندما تعهد بتقديم 157 مليون دولار أميركي على مدى ست سنوات لدعم العملية التعليمية في إندونيسيا. والمساعدات الأخرى التي يمكن تقديمها في مجال تأهيل المعلمين ،وتوفير مستلزمات الدراسة، وتبادل الوفود التعليمية، يمكن أن تساعد إندونيسيا على توفير بدائل لهؤلاء، الذين يستغلون الثغرات الموجودة في المنظومة التعليمية لتلقين قيمهم المتطرفة للتلاميذ.
والدبلوماسية الشعبية النشطة هي الأخرى شيء مطلوب، في بلد أصبح فيه عدم الثقة بالولايات المتحدة والشك فيها يمثلان عُرفا سائداً. وهذه الدبلوماسية يجب أن تتضمن شرحاً للسياسات والقيم الأميركية، بطريقة تؤدي إلى شغل الإندونيسيين في حوار نشط، بدلا من إقحام الرسائل عن طريق الإعلانات والكتيبات والنشرات. ومن بين العناصر الأخرى الضرورية ذلك النوع من المجتمع المدني، الذي قامت الولايات المتحدة بتقديمه لعدد كبير للغاية من الدول، والذي يشمل ضمن ما يشمل، تقديم الدعم للمراكز الثقافية، والمنظمات غير الحكومية، وهيئات التدريس الجامعية، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص. ويمكن لذلك كله أن يؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين أميركا وإندونيسيا من جانب، ومساعدة السلطات في هذا البلد من جانب آخر كي تقوم بتعزيز ديمقراطيتها الخاصة.
ويجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى تحقيق المزيد من التعاون مع الشرطة والجيش في إندونيسيا. فلكي تقوم إندونيسيا بتعزيز نظامها القضائي، فإنه يتعين عليها أولا أن تدعم قدرة الشرطة بها على تنفيذ القانون.