ينظر الأطباء إلى الدم على أنه نسيج مثله مثل بقية الأنسجة كالجلد والعظام والعضلات، ولكنه يختلف عن بقية الأنسجة في أنه نسيج سائل. ويشكل الدم جزءاً أساسياً من الجهاز الدوري، الذي يتكون بدوره من القلب والشرايين والأوردة وغيرها من الأنسجة والأعضاء. ويقوم الدم بوظائف عديدة ضرورية للبقاء على الحياة، أهمها نقل الأوكسجين والمواد الغذائية إلى بقية أنسجة وأعضاء الجسم، وتخليصها من النفايات الناتجة عن العمليات الحيوية. ويلعب الدم أيضاً دوراً محورياً في ميكانيزم الدفاع عن الجسم ضد الميكروبات والجراثيم، من خلال احتوائه على العديد من مكونات جهاز المناعة، وفي تنظيم العمليات الحيوية الداخلية من خلال حمله ونقله للهرمونات. ويحتوي جسد كل منا على حوالي خمسة ليترات ونصف من الدم تقريباً، تشكل ما يقارب ثمانية في المئة من كتلة أجسادنا. ويتحرك الدم عبر الجسم في دورة مغلقة من خلال ضخ القلب له، والذي لا يزيد في الحقيقة على كونه مجرد مضخة عضلية. هذه الدورة تتم تحت ضغط يعرف بضغط الدم، والذي يمكن تعريفه على أنه مقدار أو قوة الضغط التي يضعها الدم على جدران الشرايين أثناء مروره من خلالها. هذه القوة يختلف مقدارها بين الشرايين وبين الأوردة، وبين مناطق الجسم المختلفة. ويعتبر مقدار الضغط داخل شريان الذراع -الأكثر شيوعاً في القياس والاستخدام- دليلاً على ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، حيث يعادل الضغط فيه 110 مليمترات من الزئبق عند انقباض القلب (الضغط الانقباضي) و70 مليمتراً عند استرخاء عضلة القلب (الضغط الانبساطي). مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن ضغط الدم يتغير خلال مراحل اليوم، ويزداد بشكل واضح مع ممارسة الرياضة، بينما ينخفض أثناء فترات النوم. هذه المستويات الطبيعية من ضغط الدم للأسف لا يتمتع بها الجميع. بل في الحقيقة تشير الدراسات الطبية إلى أن 20% من الأشخاص أو واحداً من كل خمسة يعانون من ارتفاع في ضغط الدم. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن تعداد الجنس البشري تعدى حاجز الستة مليارات، فيمكن أن نستنتج أن أكثر من مليار ومائتي مليون شخص يعانون من درجة أو أخرى من ارتفاع ضغط الدم. ولكن بما أن أغلبية هؤلاء لا تظهر عليهم أية أعراض، فهل يجب أن يساورهم القلق من ارتفاع ضغط دمهم؟ أم يفترض ألا يشغلوا بالهم بحالة لا تظهر لها أعراض ولا تؤثر على حياتهم اليومية؟
بداية يجب أن نسترجع هنا الأعراض الرئيسية لارتفاع ضغط الدم، وهي الصداع والدوخة مع اضطرابات الرؤية، ولكن كما ذكرنا سابقاً لا تظهر أي من هذه الأعراض على الغالبية من المصابين. إلا أن عدم ظهور الأعراض لا يعني أن ارتفاع ضغط الدم لن ينتج عنه الكثير من المضاعفات الخطيرة، مثل الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية والفشل الكلوي. هذا الواقع الغريب لهذا المرض الصامت لا تظهر له أعراض، بينما في نفس الوقت يدمر الشرايين ويؤثر بفداحة على أعضاء الجسم الحيوية مثل القلب والمخ والكليتين، جعل من الضروري أن نقوم جميعاً بفحص ضغط الدم لدينا مرة كل سنتين -على الأقل- حتى يمكن اكتشاف أي ارتفاع في الضغط مبكراً وقبل أن تتأثر أعضاؤنا الداخلية سلباً به. وخصوصاً أن في 90% من حالات ارتفاع ضغط الدم لا يوجد مرض محدد أو سبب واضح لارتفاع الضغط، وهو الارتفاع المعروف طبياً بارتفاع ضغط الدم الابتدائي أو الأساسي (essential hypertension). هذا النوع له جانب وراثي إلى حد ما، حيث يجري بين أفراد بعض العائلات أكثر من غيرهم. ويعتبر هذا النوع أيضاً جزءاً مما يعرف بمنظومة (X) في الأشخاص المصابين بمقاومة الأنسولين، ويترافق مع الإصابة بالسكري وارتفاع مستوى الدهون في الدم والسمنة، خصوصاً تلك التي تتركز فيها الدهون في وسط الجسد (في البطن والردفين). أما النوع الثاني من ضغط الدم والمعروف بارتفاع ضغط الدم الخبيث (malignant hypertension)، فهو حالة طبية خطيرة، وتظهر أعراضه مثل الصداع والدوخة واضطراب الرؤية فجأة على المريض، ويتسارع فيه تلف الأعضاء بشكل كبير.
والمؤسف أنه لا يوجد حتى الآن علاج ناجع، يمكنه التخلص نهائياً من ارتفاع ضغط الدم. فالأدوية الموجودة تعمل على خفض ضغط الدم إلى المستويات الطبيعية، ولكن إذا ما توقف المريض عن تعاطيها لبضعة أيام، يعود ضغط الدم مرة أخرى إلى مستوياته السابقة. ولذا تعتبر الإجراءات المعنية بالحفاظ من الأساس على مستوى ضغط الدم، هي أكثر التدابير فعالية لتجنب المضاعفات الخطيرة التي تنتج عنه، أو على الأقل تجنب تعاطي الحبوب المخفضة للضغط طوال العمر. هذه الإجراءات التي تغني عن تعاطي العقاقير بشكل يومي للكثير من الأشخاص المرضى أيضاً، تقع جميعها ضمن نظام الحياة الصحي الكفيل بالوقاية من العديد من الأمراض الأخرى. مثل الامتناع عن التدخين وعدم تناول الكحوليات وممارسة الرياضة بشكل يومي، والحفاظ على الوزن ضمن الحدود الطبيعية، والإقلال من كمية الدهون في الغذاء اليومي مع الإكثار قدر الإمكان من الخضروات والفواكه. وتشير الدراسات إلى أن الكثيرين ينجحون في خفض ضغط دمهم من خلا