التقى السيد توم ريدج وزير الأمن القومي مؤخراً، بعدد من المسؤولين في سياتل، وقال إنه ينام هذين اليومين أفضل في الليل، بسبب أن أميركا أصبحت أكثر استعداداً من ذي قبل للدفاع عن نفسها ضد أية هجمات إرهابية ربما تتعرض لها. وقلت له حين تحدثت إليه لاحقاً في اليوم نفسه: إنني سعيد لكونك تنام جيداً في الليل أيها الوزير، أما أنا فلا. بالطبع فإنني لم أقصد عدم احترام الوزير بعبارتي تلك، لأنني أقدر كثيراً المهمة الشاقة التي أوكلت إليه. لكن مع ذلك، فإن لدي من الأسباب ما لا يجعلني أنام جيداً في الليل. وها هي تلك الأسباب: فعلى نطاق العالم كله، هناك حوالي 50 ألف سفينة، تحمل تسعة ملايين من الحاويات، وترسو في 3 آلاف ميناء ومرسى.
وهنا في الولايات المتحدة، لدينا 361 ميناء نهرياً وبحرياً. وفي كل عام نتلقى 50 ألف زيارة ملاحية من قبل 8100 سفينة أجنبية. وفي كل يوم تدخل إلى حدود الولايات المتحدة 21 ألفاً من الحاويات. وبين كل هذا العدد الضخم من الحاويات، فإن طاقتنا الحالية، لا تسع إلا لتدقيق وفحص محتويات بين 4-6 في المئة فحسب من كل ذلك العدد الكبير من الحاويات. ولا داعي للقول إن الإرهابيين يكفيهم تسرب حاوية واحدة فحسب، كي ينفذوا ما يخططون له. ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث، فيما لو تسربت أسلحة كيماوية أو بيولوجية عبر أحد موانئنا ومراسينا! فمما لا شك فيه أن كل الموانئ ستتأثر أثناء محاولة معرفة المصدر الذي جاءت منه الحاوية المعينة التي تحمل تلك المواد والأسلحة الخطيرة. ومن شأن خطر كهذا أن يعصف بالتجارة الدولية كلياً. ثم إنه لم يتوفر لدينا بعد النظام الذي يمكننا من معاودة تشغيل موانئنا عقب حدوث طارئ كهذا.
وإذا كنا قد تمكنا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، من إعادة تشغيل مطاراتنا بمدة لم تتجاوز بضعة أيام، فإن الأمر سيختلف هنا بالنسبة للموانئ، لكون إعادة تشغيلها ستستغرق مدة أطول دون شك. أما شركات البيع بالتجزئة، مثل "تارجيت" و"وال- مارت" وغيرهما، فليس لديها ما يكفي من المستودعات والمخازن الضخمة ذات السعة الكبيرة التي تمكنها من تخزين ما يحتاجه الأميركيون من صناعات ومنتجات، فيما لو حدث انقطاع أو اضطراب في تدفق منتجات التجارة العالمية. وليس ذلك فحسب، بل حتى بعض الشركات الأميركية الكبرى مثل جنرال موتورز، تحصل على بعض مكوناتها الصناعية من الخارج. لذا فإن ما تعمل على تطويره من مكونات، يصل إلى الولايات المتحدة يومياً في حاويات الشحن، شريطة أن يحدث ذلك في الوقت الدقيق المحدد، حتى تسد تلك المكونات والأجزاء النقص، أو يتم إدخالها في خط الإنتاج مباشرة.
أما هنا في سياتل، حيث ندير أحد أكبر الموانئ الدولية وكذلك واحداً من أكبر المطارات العالمية، فإن مستوى استعداداتنا الأمنية أعلى من غيره من المناطق الأخرى. وقد اتخذت لجنة إدارة الميناء، من الإجراءات والاحترازات، ما يجعل من سياتل مدينة رائدة في رفع وتحسين الأداء الأمني للملاحة الأميركية. وقد بدأنا الاستثمار في التكنولوجيا ذات القدرة على حل بعض مشكلات الأمن القومي، علاوة على سد الثغرات ونقاط الضعف الأمني فيما لا يزال تحت طائلة سيطرتنا الأمنية.
لكن عندما يتعلق الأمر بتدقيق وتقييم المخاطر الأمنية على شبكة مواصلاتنا إجمالا، فإنه لابد لي من أخلص إلى أن التصحيحات التي جرت في نظامنا الأمني الخاص بمجال الطيران، كانت أكثر مما هو مطلوب لتأميننا جوياً. وعلى صعيد الأمن البحري، فإننا قد قاربنا فعل ما هو مطلوب لتحقيق هذا الغرض. لقد أصبحت الملاحة الجوية عندنا أكثر أمناً، نتيجة لتعزيز الإجراءات الأمنية، وكذلك تعزيز قمرات القيادة في الطائرات نفسها. يضاف إلى ذلك، تغير سلوك المسافرين أنفسهم.
غير أن تكلفة زيادة الإجراءات الأمنية الجوية تعد باهظة ومعقدة جداً. فقد أصبح لزاماً على المسافرين أن يخلعوا أحذيتهم، وأن ينتظروا في الصفوف لفترة قد تصل إلى ساعتين، حتى يصعدوا إلى متن الطائرة. أما على الصعيد المالي، فإننا ننفق ما يتراوح بين 5-7 مليارات دولار سنوياً على هذه الإجراءات، دون أن يدخل إلى الخزانة القومية، ما يسد حجم هذا الإنفاق من قطاع الطيران.
أما في موانئنا البحرية، فإن القصة جدُّ مختلفة هناك. فالإنفاق الأمني على هذا القطاع، لا يتجاوز كونه جزءاً ضئيلا مما ينفق على أمن المطارات. ثم إن طريقة الإنفاق نفسها معقدة كثيراً. أضف إلى ذلك أننا نفتقر إلى خطة متكاملة تمكننا من فحص وتدقيق ما يصل لأراضينا من آلاف الحاويات يومياً. ونحن لا نزال بحاجة إلى التأكد القاطع من أن الحاويات هذه، شحنت وفق إجراءات موثقة ورسمية، وأن شحنها قد تم على نحو آمن، وأنه توفر لها من الحماية اللازمة، ما يمنع أياً كان، من العبث بمحتوياتها أثناء ترحيلها من ميناء الإرسال إلى ميناء الوصول.
وقد أحرزنا تقدماً نسبياً في هذا المنحى عبر تعاوننا مع العديد من الجهات، مثل مكتب سلطات الجمارك والحدود، وحرس السواحل، وغيرهما من الجهات الأمنية والشرطية، وسلطات الج