ونحن نعيش ذكري 11 سبتمبر وتبعاته التي فرضها علينا أسامة بن لادن، مثلما فرض علينا صدام حسين ذكرى 2 أغسطس، عندما غزا الكويت، ففتح علينا باباً من جهنم لم يغلق بعد. ومن قبلهما عبدالناصر بطل ذكرى 5 يونيو، يوم ضيعنا الأرض والقدس والشرف والمستقبل من أجل الزعيم. والعجيب أنه لا يزال بيننا من يحتفل بهؤلاء "الأبطال" الثلاثة.
لا زال بعضنا ينظم الشعر في ذكرى "غزوة مانهاتن" ويستذكر "العظماء التسعة عشر" الذين خطفوا قضايانا وجلبوا علينا الأجنبي بقضه وقضيضه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. لا زال بيننا من هو مستعد لأن يدافع عن صدام حسين "حامي بوابة العرب الشرقية" وأن يقول على شاشة التلفزيون إن "ابنة صدام رغد تملك من الشرعية الدستورية والأحقية في حكم العراق أكثر مما عند رئيس الوزراء الحالي إياد علاوي" ثم يقول إنه محام وعضو في أكبر نقابة محامين عربية ولا يجد من يحاسبه ويطرده من المهنة التي أهانها. جملة كهذه لا يقولها عاقل "مجاناً" ولكن لا أتهم الرجل في ذمته فالنظام العراقي السابق قد انهار وضاعت أمواله ما بين جرات دفنت في الحقول على ضفاف دجلة والفرات، ووكالات بيع السيارات في متشجن والتي أصبحت التجارة الجديدة لقيادات الحرس الجمهوري والمخابرات العراقية السابقين الذين تعاونوا مع الأميركيين .
ولا زال بيننا من يحتفلون بذكرى ثورة الزعيم ويعددون مآثره وانتصاراته، الذين أتوقع لهم أن يتحولوا إلى أتباع طائفة صوفية جديدة يحتفلون كل عام بمولد سيدي عبدالناصر، فيما لو عمت ديمقراطية حقة بلاد العرب أو بعضها، وأصبحت أحزابهم الناصرية غير مبررة فهي لا تحكم ولا توفر من الفكر من يفيد الحكم.
ماذا لو عاد للعقل العربي والمسلم وعيه، فينفضّ عن أصحاب الشعارات إلى القادرين على رفع مستوى دخل الفرد، وتوفير وظيفة أفضل، ومدرسة أفضل، ومستشفى ومسكن وحديقة عامة، سيتجه المواطن حينها لمن يقدم له حياة أفضل تغنيه في وطنه عن وطن سواه. فلا يقف في طوابير منذ الصباح الباكر على أمل الحصول على تأشيرة تفتح له أبواب الجنة الأميركية، التي لعن أهلها في الليلة السابقة على منبر الجزيرة "منبر من لا منبر له". أو أن يموت غريقاً على شواطئ أسبانيا وإيطاليا، ولو ابتسم له الحظ ووصل سالماً، فلعله لا ينجو من مصيدة للقاعدة تودي بدينه ودنياه، لو أقنعه عاطل مثله حفظ بضعة أحاديث بضرورة الجهاد والالتحاق بكتائب أبي حفص المصري ليطردوا الإيطاليين من العراق أو من ليبيا أو من الصومال، لا يهم من أين. المهم أن نثخن في الكفار ونرهبهم فنقتل جمعاً منهم ونقتل معهم ولكن سنكون شهداء في سبيل الله فننتهي إلى جنة نعيم حيث لا بطالة ولا طوابير، أما هم فإلي جهنم وساءت سبيلا.
لماذا لم تهزنا 11 سبتمبر مثلما هزت العالم، وتدفعنا نحو فعل ما لاستنقاذ مستقبلنا من أيام قد تكون اكثر حلكة؟
قد لا يقتنع البعض أن حالنا سيئ وعقلنا مرتبك ولكن تابعوا معي سلسلة أخطائنا وخطايانا، والغريب أننا لا نتعلم، فلا نقوم من خطأ إلا ونقع في غيره كأننا سكارى.
عندما غادر أسامة بن لادن السودان إلى أفغانستان ولما تحكمها الطالبان بعد، لماذا لم يختر البناء والتعمير والسعي لمصالحة الأطراف الأفغانية المتناحرة لاستثمار ذلك الانتصار الكبير الذي حققه المجاهدون الأفغان وأنصارهم العرب على الاتحاد السوفيتي ببناء الدولة الإسلامية التي طالما حلم بها، وترك الغضب والكراهية والانتقام تستهلك قدراته وجهده.
عندما انتصر المجاهدون الشيشان وانتزعوا من روسيا الاعتراف باستقلال وطنهم، لماذا لم ينشغلوا ببنائه وإنما توجهوا في حماقة لـ"تحرير" داغستان المجاورة بعمل إرهابي مرفوض شرعاً، ولما يستقر الوضع لهم بعد في وطنهم؟ ولماذا رضخ شيوخ الشيشان لتهور أبنائهم وأنصارهم العرب ولم يرفعوا صوتهم برفض ما يفعلون؟
لماذا اختلف حسن الترابي والرئيس عمر البشير وكلاهما من مدرسة واحدة، يشغلهما السعي إلى بناء الدولة المسلمة القوية في السودان، فأضعفا دولتهما وحزبهما، وألقى الثاني بشيخه في السجن؟
لماذا سمحت القيادة السودانية باشتعال الوضع في دارفور وهي تعلم أن هناك من يترصد لها أخطاءها ويبحث عن سبب كي ينقض عليها؟
لماذا أصرت سوريا على التمديد للرئيس أميل لحود وهي تعلم أن ذلك سيؤدي إلى مواجهة مع الغرب ومع قطاع من اللبنانيين، بينما يوجد صف طويل من اللبنانيين الموارنة المستعدين للتحالف معها" والاصطفاف في خندق المقاومة "بينما كان من الحكمة الابتعاد عن استفزاز الكاوبوي الأميركي الموتور بسبب خسائره وأخطائه في العراق والباحث عمن يحمِّله المسؤولية.
لماذا عندما يسأل الشيخ يوسف القرضاوي فيما إذا كانت فتواه بجواز قتال الأميركيين في العراق تشمل المدنيين، فيرد: وهل يوجد مدنيون أميركان في العراق، وهو يعلم بقيمته العلمية وقدرته على التأثير والأخطر يعلم أن اختلاف الأمة مع القاعدة هو في مسألة جواز قتل المدنيين؟
لماذا في الجهة الأخرى يستعدي الكاتب شاكر النابلسي، العَالم على الشيخ القرضاو