في التاسع من هذا الشهر أنهى السيد كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية فترة قصيرة من التقارب النسبي بين واشنطن والخرطوم، وذلك بإعلانه مرة أخرى أن حكومة السودان تتحمل المسؤولية كاملة عن تطهير عرقي (genocide) يجري في إقليم دارفور. وكان الوزير الأميركي يقدم تقريراً للجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس، وقد عزز حجته تلك التي تتحدث عن تطهير عرقي تقوم به حكومة السودان ضد مواطنيها من الزنوج، عزز حجته بأنه يرتكز على تقارير حديثة وضعتها بعثة من الخارجية الأميركية زارت معسكرات اللاجئين من دارفور داخل جمهورية تشاد. وقال إن منظمة المحامين الأميركيين، وكذلك منظمة التحالف من أجل العدل قد ساهمتا في الوصول إلى تلك الحقائق التي بنى عليها تقريره. وقد دعا السيد باول حكومة بلاده وكذلك منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى النظر فيما أعلنه واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الخرطوم. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها الإدارة الأميركية حكومة الخرطوم بالقيام بتطهير عرقي في دارفور، فقد حدث ذلك قبل بضعة أسابيع ثم كان هناك تراجع عن هذه التهمة والاكتفاء بنقد الخرطوم في أنها لم تنجز ما يكفي لإعادة الأمن والطمأنينة في دارفور. ولهذا فإن تقرير السيد باول الأخير يعد انتكاسة في علاقات العاصمتين.
إن واشنطن تعترف بأن هناك جهداً ما قد بذل لتنظيم وصول الإغاثة للمنكوبين في دارفور وتطبيق بعض الإجراءات الأمنية، ولكنها -أي واشنطن- ترى أن حكومة الخرطوم فشلت في إنهاء كل أنشطة من يعرفون باسم "الجنجويد" أو القبض عليهم وتجريدهم من السلاح وتقديمهم للمحاكمة على الجرائم البشعة التي ارتكبوها، وترى واشنطن أن الاقتتال ما يزال مستمراً وأن مئات الآلاف من أهل دارفور يهابون العودة إلى ديارهم لسوء الأحوال الأمنية.
لقد لوحت واشنطن بعقوبات ضد السودان على رأسها حظر تصدير البترول السوداني، ولكنها تخلت عن هذه العقوبة بالتحديد تحسباً لما قد يثيره مثل ذلك القرار من عدم الرضا والرفض من بكين التي تملك نسبة لا بأس بها في استثمارات بترول السودان.
كذلك اتضح أن الاتحاد الأوروبي ليس بذات القدر من الحماس في فرض عقوبات على السودان، ويرى أن تمهل الخرطوم المزيد من الوقت لتنجز ما وعدت به منذ أن انتقلت الأزمة إلى المسرح الخارجي. وكذلك يرى الاتحاد الأفريقي الذي يتولى الوساطة بين حكومة السودان والمتمردين نفس رأي الاتحاد الأوروبي.
ومهما يكن نوع التصرف الذي ستلجأ إليه الولايات المتحدة الأميركية أو منظمة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي حيال السودان فإن السعي للقضاء تماماً على "الجنجويد" يظل عقبة كأداء، ذلك أنهم في واقع الأمر أشبه بـ"مرتزقة" الحرب الذين جندتهم في البداية حكومة الخرطوم لعونها ضد المتمردين، ولكن أمرهم استفحل واستشرى وصار القضاء عليهم يحتاج إلى وقت. وقبل ذلك يحتاج إلى صدق الخرطوم في الاعتراف بالخطأ وملاحقة من جندتهم مهما تكن النتائج، بما في ذلك اعتراف أولئك المرتزقة بأنهم في الأصل كانوا صنيعة الحكومة.