مؤلف هذا الكتاب هو مايكل كلير أستاذ العلوم السياسية بكلية (هامبشاير) الأميركية وصاحب الكتاب الشهير "حرب الموارد" الذي أثبت فيه بالأدلة القاطعة أن سبب الكثير من الحروب التي تدور في العالم يرجع في الأساس إلى التنافس حول الموارد الطبيعية التي تزداد ندرة باستمرار، وأن عدد تلك الحروب مرشح للزيادة في المستقبل. هذه هي الفكرة الأساسية التي دار حولها كتاب كلير السابق الذي حظي في وقته باهتمام كبير. أما في كتابه الجديد المعنون "الدم والنفط: أخطار وعواقب اعتماد أميركا المتزايد على النفط" فإنه يركز على مورد واحد من هذه الموارد، وهو النفط. كما يركز على سياسة أميركا الخارجية والنهج (التدخلي) الذي اتبعته إدارة بوش منذ أن جاءت إلى الحكم ويحاول التدليل على الرابطة بين الاثنين. ويضع المؤلف سيناريو قاتماً لحروب خارجية باهظة التكلفة، ستجد أميركا نفسها مضطرة لخوضها، ودفع الثمن ليس فقط من دولاراتها ولكن أيضاً من دم جنودها، وذلك إذا ما استمرت على معدلات استهلاكها الرهيبة لهذه السلعة النادرة. ولكن ما هي طبيعة تلك الحروب التي ستخوضها أميركا، وأين ستدور تحديداً، ومن هي القوى الأخرى التي ستواجهها أميركا في تلك الحروب؟ للإجابة على تلك الأسئلة وغيرها، يعود المؤلف إلى الماضي لتتبع تأثير النفط على السياسة الأميركية الخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مروراً بالإدارات الأميركية المتعاقبة، مع التركيز بشكل خاص على الرؤساء ترومان وروزفلت، ونيكسون، وكارتر، لإثبات العلاقة بين سياسة واشنطن الخارجية وبين النفط. ومن أهم الآراء التي يوردها المؤلف في هذا العرض التاريخي قوله: إن الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت هو الذي دشن مرحلة الاعتماد الأميركي الكبير على النفط السعودي، وهو الاعتماد الذي بنيت على أساسه العلاقة بين الدولتين منذ ذلك الحين. وبعد هذا العرض التاريخي ينقلنا المؤلف إلى الحاضر، ويركز على نقطة معينة يرى أنها على درجة كبيرة من الأهمية، وأنها هي التي تفسر الكثير من السياسات الأميركية الخارجية الحالية وهي أن آبار أميركا النفطية ذاتها آخذة في النضوب بمعدلات سريعة، في نفس الوقت الذي يصل فيه الطلب الأميركي على هذه المادة إلي مستويات لم يسبق لها مثيل، بسبب الزيادة الرهيبة في الاستهلاك وبسبب فشل سياسات الطاقة التي اتبعتها الإدارات الأميركية المتعاقبة. ويتنبأ الكاتب بناء على الإحصائيات المتاحة، وعلى حساب معدلات الاستهلاك الحالية، ومعدلات النمو، بأن أميركا التي لا يزيد عدد سكانها على خمسة في المئة من عدد سكان العالم، والتي تستهلك بمفردها حالياً 25 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط، ستكون بحاجة إلى استيراد ما نسبته 60 في المئة من احتياجاتها الكلية من النفط عام 2010. و يقول المؤلف إن إدارة بوش التي تدرك ذلك تمام الإدراك قد حرصت منذ أن جاءت إلى الحكم على الـتأكيد بأن من أهم أهداف سياستها الخارجية تأمين منابع النفط، وأن أي تهديد لتلك المنابع، أو خطوط إنتاجه أو نقله سيعتبر بمثابة تهديد لأمنها القومي، وأنها ستلجأ إلى كافة الوسائل لضمان استمرار تدفق النفط، بما فيها التدخل العسكري المباشر إذا ما لزم الأمر. والمؤلف يرى أن إدارة بوش مخطئة في تبنيها لهذه السياسة، وأن مثل تلك السياسة قد تنجح حقاً في تأمين احتياجات أميركا النفطية، ولكنها ستجعلها أقل أمناً سواء في الداخل أم في الخارج. والسبب في ذلك كما يقول، هو أن معظم كميات النفط التي ستحتاجها، سوف تأتي من مناطق الخليج العربي، وبحر قزوين، وأميركا اللاتينية، وأفريقيا، وهي مناطق تعاني من حالات عدم استقرار مزمنة، وتتفاقم فيها أو في معظمها مشاعر العداء والكراهية لأميركا، وبالتالي فإن استمرار اعتماد أميركا عليها، بل وتزايد هذا الاعتماد سيقود حتماً إلى تفاقم النزاعات سواء مع القوى الأخرى المنافسة وهي أوروبا واليابان والصين وقد تنضم إليها الهند مستقبلا أو مع الدول المصدرة للنفط ذاتها.. وأن تلك الخلافات قد لا تكون قابلة للحل عن طريق الدبلوماسية في كافة الأحوال مما يعني أن أميركا ستجد نفسها مضطرة إلى استخدام القوة العسكرية السافرة لحسمها. ويرى المؤلف في هذا السياق أنه بعد انتهاء عصر الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل العدو الرئيسي للولايات المتحدة، فإن القوات المسلحة الأميركية ستتحول تدريجياً كي تصبح قوة مهمتها الأساسية هي حماية منابع النفط. ويقدم المؤلف الأدلة التي تثبت صحة هذه الفرضية مشيراً في ذلك إلى التدخل الأميركي في العراق والذي يقول إن هدفه غير المعلن هو نفط تلك الدولة التي تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الاحتياطيات النفطية.. ويقول المؤلف إن هذه الحرب التي تعد تجسيداً واضحاً لمبدأ التدخلية الذي تعتنقه الإدارة بالإضافة إلى تعامل أميركا الفظ مع غيرها من الدول، وتهديداتها السافرة لبعض تلك الدول بأنها ستواجه مصيراً كمصير العراق قد جعلا العالم أكثر خوفاً من أميركا وأكثر نفوراً منها. ويقترح الم