تطرح قضية الإصلاح وإعادة إطلاق المسار التنموي في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، باعتبارها شأناً داخلياً لهذه البلدان ولأبنائها، خاصة في ظل المشاريع والخطط الخارجية التي يتم التلويح بها للمنطقة بين حين وآخر. لذلك تبدي عناصر النخب الخليجية المثقفة وعياً حاداً بأهمية تحليل الحالة السياسية في المنطقة، وإبراز الخصائص الهيكلية لمجتمعاتها، وتوصيف الآثار التي أحدثها النفط على التوازنات المحلية والإقليمية. وفي هذا السياق يأتي كتاب "نحو إصلاح جذري في مجلس التعاون لدول الخليج العربية" وقد اشتمل على سبع دراسات نوقشت مطلع العام الجاري خلال اللقاء السنوي الخامس والعشرين لـ"منتدى التنمية" الذي عقد في مملكة البحرين وشارك فيه نحو 120 شخصية سياسية وثقافية من بلدان الخليج العربي، تحاول إحداها حول "تصحيح العلاقة بين السلطة والمجتمع" إلقاء الضوء على خصوصية النظام الاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي وفهم عمل آلية السلطة السياسية فيها. وتستعرض الدراسة من وجهة نظر نقدية بعض النظريات التي طرحت لفهم طبيعة السلطة السياسية في هذه البلدان، مثل نظرية العصبية الخلدونية التي تركز- بتنويعاتها المختلفة- على المكون القبلي للدولة الخليجية المعاصرة باعتبارها "مجرد حلف قبلي" مرتبط بوظيفة توزيع المغانم، لكنها في الواقع تجاهلت مجمل التحولات المادية التي طرأت على المجتمعات الخليجية في العقود الأخيرة. أما النظرية الميراثية حول نمط السلطة التقليدية العائدة إلى ماكس فيبر، فيواجه تطبيقها على المجتمعات الخليجية مصاعب جمة، أهمها أن هذه المجتمعات لا تعتمد أسلوب حكم واحد أو صرف وإنما تتعايش فيها أشكال مختلفة من السلطة. وأخيراً تنتقد الدراسة نظرية الدولة الريعية وتركيزها على الدور الذي لعبه النفط في ظهور دولة رفاه غير ضريبية، قائلة إن نتائج تحليلها لا تنطبق على سائر حالات الوضع الخليجي. وتنتهي الدراسة إلى أن السلطة نفسها قامت بتبني جهود التغيير الاقتصادي والاجتماعي، حيث مكنها النفط من قيادة عملية تحديث هائلة مست العديد من جوانب الحياة.
وترى دراسة أخرى حول "مطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع المدني في أقطار مجلس التعاون الخليجي"، أن السلط الحاكمة في الخليج استجابت لقوانين التطور الموضوعي في تحديث النظام الإداري وإقامة مؤسسات الدولة وسن القوانين، لكن بعضها استعان بالتجارب العربية في منع القوى الاجتماعية من التطور والمشاركة، فحظر الأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية والاتحادات الطلابية والنسائية فنشأت عن ذلك تشوهات في أوضاع المجتمعات الخليجية، مما يستدعي في نظر الدراسة تلبية متطلبات الإصلاح للخروج من نفق الاختلالات القائمة.
وتحاول دراسة أخرى حول "أنماط التنمية الاجتماعية في دول مجلس التعاون خلال ربع قرن"، تحليل الاختلالات الهيكلية التي نجمت عن بروز تلك الأنماط وما خلفته من تداعيات، موضحة أن من الملامح الأساسية لذلك الخلل: الاعتماد المفرط على القطاع النفطي، وارتفاع مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي للقطاع غير النفطي، وارتفاع معدلات الإنفاق القومي، وهيمنة القطاع العام، فضلا عن تشوهات الميزانية العامة والخلل في هيكل السكان وقوة العمل. أما المخاطر التي تحملها هذه الاختلالات في المستقبل فتذكر منها الدراسة: تعميق الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط على اقتصادات الدول الخليجية، وانخفاض الكفاءة الاقتصادية بسبب انخفاض كفاءة المشروعات العامة، وتحول العمالة الوطنية إلى أداة تعوق المسار التنموي، وتزايد انكشاف الاقتصاد الوطني أمام العالم الخارجي، فضلا عن تآكل الاحتياطات النقدية لهذه الدول، بل تذهب الدراسة إلى أن تلك التداعيات المستقبلية قد تؤدي في مجملها إلى تفكيك النسيج المحلي لمجتمعات الدول الخليجية، إذا ما لم تتم معالجة الخلل الإنتاجي واستيعاب آثاره الراهنة.
وتناقش دراسة أخرى واقع "البطالة في دول مجلس التعاون وأهمية تأسيس نظم تأمينات ضدها"، وتقدم توصيفاً أظهر أن البطالة تشكل أكبر تحدٍّ لهذه الدول، فمثلا تراوحت نسبتها في السعودية بين 10% و15%، وفي الكويت بلغت 12.5%، وفي البحرين 15%، لذلك بات أحد المشاغل الأساسية للدول الخليجية هو مسالة توفير وظائف للأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل، بقدر ما تقلقها الآثار الاجتماعية والسياسية لتنامي معدلات البطالة وتزايد أعداد الأجانب. وتدعو الدراسة إلى إقامة أنظمة للضمان الاجتماعي، على غرار الدستور البحريني لعام 1973 حينما نص على أن الدولة تكفل العاطلين عن العمل وتوفر الضمان ضد الشيخوخة. ذلك أن الضمان الاجتماعي يساهم في "تعديل الحالة الطبقية"، وفي تخفيف آثار الفقر وإزالة الضغط على الطبقة المحرومة.
وعن "إصلاح الخلل السكاني في أقطار مجلس التعاون"، تقول دراسة بنفس العنوان إن هناك حاجة ماسة إلى ذلك الإصلاح، من أجل "إيقاف مسار ضياع مجتمعات المنطقة الأصلية"، ومن بين متطلباته وضع استراتيجيات وبرامج سكانية قابلة للمتابع