من ولاية أوهايو إلى كنتاكي فولاية تكساس، وصولا إلى واشنطن، ظل أفراد عائلة بوش- رجالا ونساءً- يراكمون الأموال والثروات الطائلة، ويسيطرون على مقاليد الدولة والحكم، ويؤثرون على التاريخ الأميركي المعاصر، على نحو لم تسبقهم إليه، أي من الأسر الأميركية طوال المئة وخمسين عاماً الماضية. وعلى سبيل المثال، فقد كانت بريسكوت بوش سيناتورة عن ولاية كنتاكي لفترتين، فضلا عن ارتباط حياتها المهنية بكل من إيزنهاور وجو ماكارثي. أما جورج إتش. بوش، فقد كان هو الآخر عضواً في الكونجرس، ورئيساً للجنة القومية للحزب الجمهوري خلال فترة فضيحة "ووترجيت"، ثم مديراً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، ونائباً للرئيس الأسبق رونالد ريجان، وصولا إلى كونه الرئيس الأميركي الحادي والأربعين. وهناك الابن جيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا الحالي، الذي سينتهي به الحال حتماً في المستقبل، إلى أن يكون مرشحاً لرئاسة البلاد. ثم أخيراً الابن الأكبر للعائلة، جورج دبليو بوش، الرئيس الثالث والأربعون، بل وربما الرئيس الأميركي الأكثر إثارة للجدل، على امتداد التاريخ الأميركي كله.
فكيف أمكن لهؤلاء الرجال، الذين تقف خلفهم نسوة قابضات، قويات الإرادة والشكيمة والتأثير على أزواجهن وإخوانهن، الوصول إلى أعلى مراتب السلطة والإدارة الأميركية؟ وكيف أمكن لهم شق طريقهم من جامعة ييل، إلى ردهات وغرف السياسة السرية غير المباشرة، عبر وكالة المخابرات المركزية، ومنها إلى البيت الأبيض، ليمارسوا كل هذا الثقل والتأثير على حياة الأميركيين؟ في الإجابة عن كل هذه الأسئلة، تقول كيتي كيلي، مؤلفة هذه السيرة الذاتية عن عائلة بوش، إن العائلة غيرت وجه التاريخ الأميركي الحديث. وإن صح هذا القول، فربما تكون المؤلفة، قد فعلت الشيء النقيض بكتابها هذا، أي تغييرها وجه عائلة بوش!
تعد كيتي كيلي، من أشهر كاتبات ومحققات السيرة الذاتية التاريخية المعاصرة. وقد سبق لها أن تناولت سير عدد من المشاهير، من بينهم جاكلين أوناسيس، ونانسي ريجان، وفرانك سيناترا، ثم العائلة الملكية البريطانية. وها هي الآن تطرق حياة وأسرار ودور عائلة الرئيس بوش في التاريخ الأميركي المعاصر. ولعل أكثر ما أثار الاهتمام بالكتاب، ووضعه في أعلى قائمة الكتب الأميركية رواجاً ومبيعاً، تعرضه لتفاصيل عائلة بوش الخاصة، ونبشه لما وراء الصورة العامة للعائلة وأفرادها وعلاقاتهم ونمط حياتهم ومغامراتهم العاطفية وغيرها، مع ملاحظة توقيت صدور هذه السيرة الذاتية وتزامنه، مع اللحظات والمراحل الحاسمة من المعركة الانتخابية التي يخوضها الرئيس جورج بوش، ومن خلفه أفراد عائلته واسمها وتاريخها كله دون شك.
أما من حيث تناول الموضوع وترتيبه، فقد عمدت الكاتبة إلى تبني نهج تاريخي، يبدأ باستعراض أصول ثروة العائلة، من خلال ارتباطها بصناعة الحديد والصلب في ولاية أوهايو، في بدايات القرن العشرين، مروراً بالصفقات والنشاط التجاري والاستثماري في مجال النفط، وغيرهما من استثمارات وعلاقات عمل، أسهمت في تراكم ونمو ثروة العائلة، خلال المئة عام الماضية. كما تسرد المؤلفة بدايات علاقة العائلة بالحياة السياسية العامة، اعتباراً من دخول بريسكوت بوش إلى هذه الحلبة من خلال حكومة ولاية كنتاكي في عقد الخمسينيات من القرن الماضي. ثم تمسك بذلك الخيط وتتابعه حتى وصول جورج بوش الأب إلى منصب الرئاسة الأميركية، انتهاءً بالصعود الحالي والسريع للمنصب ذاته، الذي حققه بوش الابن. وبين هذا وذاك، تعرض المؤلفة للعلاقات المعقدة التي جمعت بين عائلة بوش وأبرز عائلات وشخصيات القرن الماضي: إيزنهاور، نيكسون، جوزيف ماكارثي، كيسنجر، رونالد ريجان، ثم بيل كلينتون. كما تفضح الأساليب والوسائل المعلنة والخفية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، التي اتبعتها العائلة، من أجل تحقيق أهدافها ومآربها.
لكن وكما سبق القول، فإن قصص ما وراء الجدران والكواليس الخلفية للكتاب، هي التي أثارت الاهتمام والفضول العام لما جاء عن تاريخ الأسرة من تفاصيل، أثارت نقمة البيت الأبيض، الذي نعت الكتاب بالقذارة والفبركة واختلاق الأكاذيب الملفقة عن بوش وعائلته. وسواء بنيت التفاصيل الواردة في الكتاب، على حقائق مؤكدة وموثوقة- كما هو دأب المؤلفة في كتاباتها السابقة عن حياة المشاهير- أم اعتمد على ما تناهى إلى مسامعها من شائعات و"نميمة" اجتماعية، وغمز ولمز في تاريخ العائلة الأميركية الأولى- في الوقت الحالي على الأقل- فإنه دون شك، قد أصاب أهم هدف له، ألا وهو إثارة الاهتمام العام بتفاصيل حياة بوش، وعلاقة أهداف عائلته بالحياة العامة الأميركية.
وبما أن هذه التفاصيل الخاصة، تتناول فضائح المقامرات المالية، والمغامرات العاطفية، وغراميات الصبا الطائش، وخفايا الزيجات والعلاقات، ومشاهد ما وراء الكواليس، فإن من الطبيعي أن يرد عليها البيت الأبيض بتلك النبرة الحادة الناقمة، ويتهمها الجمهوريون بالتلفيق والكذب، مقابل من يرى في الكتاب سيرة ذاتية "لا تريد لك عائلة بوش أن تطلع ع