يوم الأحد الماضي، وأثناء قيام حشد من العراقيين بالاحتفال باحتراق عربة مدرعة أميركية، قامت طائرة هليوكوبتر بفتح النار على الحشد مما أدى إلى مصرع عدد من الأشخاص كان من بينهم طفل وصحفي يعمل في إحدى قنوات التلفزة العربية. وفيما بعد قامت تلك المحطة وبشكل متكرر بعرض صورة يظهر فيها ذلك الصحفي وهو يتلوى على الأرض من الألم ويصرخ قائلا:"إنني أموت.. إنني أموت..".
ومثل هذه المناظر التي تزيد من عدد أعدائنا، والتي تبدو فيها أميركا ضعيفة ومتوحشة، هي مشاهد حتمية في حرب العصابات التي ورطنا بوش فيها.. ولابد أن أسامة بن لادن جالس الآن في مكان ما وهو يبتسم شامتاً في الأميركيين.
إن محطات التلفزة الأميركية تتعرض لضغط متواصل كي تقوم بنقل الأنباء الطيبة من العراق. ولكن الحقيقة، وكما جاء في عنوان رئيسي في مجلة "النيوزويك" هي:"أن الوضع هناك أسوأ مما نتصور". فالهجمات على قوات التحالف تزداد عنفا وفعالية، والمناطق التي لا تستطيع القوات الأميركية الدخول إليها، والتي يفضل العسكريون الأميركيون هناك أن يطلقوا عليها اسم (أوكار المتمردين)، تزداد انتشاراً حتى في بغداد نفسها.. إننا باختصار نفقد أرضاً هناك.
يحدث كل هذا بينما لا يزال هناك ناخبون يعتقدون أن السيد بوش يقوم بعمل طيب وأنه يحمي أمن أميركا.
وإذا ما كان لدى السيد جون كيري مستشارون ينصحونه بعدم مهاجمة بوش في موضوع الأمن القومي، فإنني أنصحه بأن يلقي بهم في كومة للقمامة.
وعندما يقول ديك تشيني للناخب الأميركي:"إما أن تصوت لبوش أو أن تموت".. في إشارة إلى أن بوش يحمي أمن أميركا وحياة الأميركيين، فإن الاستجابة لذلك من خلال إلقاء خطب عن الرعاية الصحية وتوفير الوظائف، لن تجدي فتيلا.
على السيد كيري بدلا من ذلك أن يقول إن السيد بوش يعرض أمن أميركا للخطر، بقيامه بإخضاع موضوع الأمن القومي لمناورات السياسة.
في بدايات عام 2002، كانت إدارة بوش قد بدأت بالفعل تركز أنظارها على العراق، وتجاهلت المناشدات التي قدمت إليها لوضع مزيد من الجنود في أفغانستان. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أن طالبان قد عادت للظهور مجدداً وأن أسامة بن لادن لازال حراً طليقاً هناك.
أثناء فترة الاستعداد للحرب على العراق، كان القادة العسكريون يريدون المزيد من قوات الغزو، كي تتولى بعد ذلك مسؤولية المحافظة على الأمن.. ولكن المسؤولين المدنيين في البنتاجون، والذين كانوا متلهفين على إثبات أن الحرب يمكن شنها بتكاليف زهيدة، رفضوا طلب القادة العسكريين. وهو سبب من الأسباب الرئيسية التي تفسر لماذا لا يزال جنودنا يموتون في العراق حتى الآن.
في إبريل الماضي وبناء على أوامر من البيت الأبيض بالتأكيد، قامت القوات الأميركية بعد أن قام التلفزيون الأميركي ببث صورة بشعة لمقاولين مدنيين أميركيين قتلى، بشن هجوم على مدينة الفلوجة. وفي ذلك الوقت اعترض الليفتنانت جنرال (فريق) جيمس كونواي المسؤول عن العمليات في المنطقة "على شن هجوم على المدينة بدافع الانتقام". ولكن تم تجاهل اعتراضه، كما تم تجاهله مرة أخرى من خلال قرار كارثي آخر بتعليق الهجوم بعد أن كان قد بدأ بالفعل. كان الرأي الذي أبداه الجنرال كونواي حينذاك هو:
"بمجرد أن تلتزم بتنفيذ مهمة فإنك يجب أن تلتزم بمواصلتها حتى النهاية". ولكن السيد بوش الذي كان يخشى أن تؤدي مواصلة الهجوم إلى زيادة عدد القتلى الأميركيين مما يؤثر على معدلات تأييده في استطلاعات الرأي، لم يستمع مرة أخرى إلى ما قاله كونواي.
هل يستطيع السيد كيري الذي أعطى صوته لتخويل الإدارة الأميركية بشن الحرب على العراق أن ينتقد هذه الحرب الآن؟. نعم يستطيع أن ينتقدها، بأن يقوم بالإشارة إلى أنه قد منح صوته كي يعطي الرئيس بوش عصا غليظة يلوح بها فقط . وبمجرد أن يؤدي مثل هذا التلويح بالعصا إلى إجبار صدام على اتخاذ قرار يسمح فيه بعودة المفتشين التابعين للأمم المتحدة مرة أخرى، فإن الغرض منها يكون قد تحقق، ولا تعود هناك حاجة إلى غزو العراق. يجب على السيد كيري أيضاً أن يواصل الهجوم على تشيني الذي يحاول أن يغطي على موضوع أسلحة الدمار الشامل بالكذب، مرة ثانية، والقول إن صدام كانت له روابط مع تنظيم القاعدة.
بعض السادة الخبراء يطالبون السيد كيري بأن يقدم خطة محددة للعراق- وهو طلب لم يطلبوه من السيد بوش للأسف!. ولكن كيري مع ذلك يستطيع أن يقلب عليهم المائدة، ويسألهم أن يخبروه ماذا ينوي السيد بوش نفسه أن يفعل كي يجد مخرجاً من هذه الكارثة المتفاقمة -غير التظاهر بأن الأمور هناك تمضي على نحو طيب، وأن كل شيء على ما يرام.
على السيد كيري أن يسأل أيضاً، لماذا يتعين على الناخب الأميركي أن يثق في رجل يرفض استبدال الأشخاص الذين كانوا السبب في تلك الكارثة، لأنه يعتبر أن الاعتراف بالخطأ يعتبر رذيلة سياسية.
يستطيع السيد كيري أيضاً أن يجادل بالقول إنه لو كان في مكان الرئيس بوش، لما كان قد ألغى قرارات للقادة الذين كانوا يريدون مواصلة الضغط على تنظيم الق