إن مأساة الرهائن التي وقعت مؤخراً في روسيا مثلت رسالة مؤلمة ذكرتنا بالتهديد "الإرهابي" المحتمل الذي لا تزال أميركا تواجهه حتى الآن. وهذا التهديد يمكن أن يصل إلى حد وقوع حادي عشر من سبتمبر نووي، إذا ما تمكن "الإرهابيون" من الوصول إلى المخزون النووي الروسي.
وفي الحقيقة أن التصريح الذي جاء على لسان وزير الدفاع الروسي "سيرجي ايفانوف" مؤخراً، والذي قال فيه إن ادعاء وجود مخزون نووي روسي في أماكن غير مؤمَّنة جيداً كما يذهب إلى ذلك البعض ليس إلا "خرافة". والحقيقة أن ما يقوله "إيفانوف" هو شيء بعيد كل البعد عن الحقيقة. صحيح أن هناك إصلاحات تتم في روسيا منذ عقد من الزمان، ولكن تلك الإصلاحات لم تكتمل وخاصة فيما يتعلق بتأمين المخزون النووي. وفي الحقيقة أن رئيس الوكالة النووية الروسية، لم يعترف سوى في العام الماضي بأن مشروع أمن المنشآت النووية الروسية، يعاني من نقص في التمويل يصل إلى مئات الملايين من الدولارات. وفي كل موقع من المواقع النووية الروسية يقوم الخبراء الأميركيون بزيارته، فإنهم سرعان ما يتفقون مع العلماء الروس على الحاجة إلى إجراء تحديثات كبيرة على النظام الأمني للمنشآت النووية. وقيام السلطات الروسية بإرسال المزيد من الجنود لحراسة المنشآت النووية الروسية في أعقاب حوادث "إرهابية" أخيرة في روسيا يكذب مقولة إن تلك المنشآت كانت مؤمنة بدرجة كافية من قبل. علاوة على أن وجود تلك القوات لن يفيد كثيراً في الحيلولة دون وقوع سرقات من قبل أشخاص يعملون داخل تلك المنشآت.
في نفس الوقت فإن الشيء المؤكد هو أن "الإرهابيين" يركزون اهتمامهم الآن على المخزون النووي الروسي بالذات. وقد قام كبار المسؤولين الروس بتأكيد حالتين على الأقل وقعتا عام 2001، قام فيهما "الإرهابيون" بعمليات استطلاعية في مواقع لتخزين الرؤوس النووية. ويذكر في هذا السياق أن التحديثات الأمنية الممولة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لم تغطِّ سوى 22 في المئة فقط من مجموع المواد النووية المحتملة، أما عمليات التحديث المتعلقة بمواد نووية أخرى، يمكن أن تستخدم هي الأخرى في صنع آلاف القنابل النووية فلم تكتمل بعد. فالنزاعات حول حق الدخول إلى المواقع الحساسة، والمسؤولية عن تلك المواقع، وغيرها من العقبات السياسية والبيروقراطية أدت كلها إلي الحيلولة دون حدوث تقدم في هذا الشأن لسنوات طويلة.
وفي الحقيقة أن ذلك يمثل مشكلة عالمية. فهناك ما يزيد على 130 مفاعلا نووياً موجودة في عشرات البلدان لا تزال تعمل بـ"اليورانيوم" العالي التخصيب، ولا تزيد الإجراءات المتبعة في تأمينها عن وجود حراس ليليين، وسلاسل تحيط بالمنشآت.
أما المنشآت النووية الباكستانية، فعلى الرغم من أنها تخضع لحراسة مشددة، إلا أنها معرضة لتهديدات ضخمة سواء من قبل العاملين فيها أو من قبل عناصر خارجية، بما في ذلك فلول تنظيم "القاعدة" ونظام "طالبان" الموجودون في ذلك البلد.
الأنباء الطيبة بصدد هذه المشكلة هي أنها قابلة للحل. فمن المعروف أنه يصعب على "الإرهابيين" إلى حد كبير تصنيع "البلوتونيوم" و"اليورانيوم" العالي التخصيب وهما عنصران لا غنى عنهما لتصنيع أي سلاح نووي. وهو ما يعني أنه لو أمكن إغلاق منشآت المخزونات النووية الحالية الموجودة في مختلف دول العالم، والحيلولة دون وصول "الإرهابيين إليها"، فإن ذلك سيكون كفيلا بمنع وقوع حوادث إرهاب نووي.
والعديد من البرامج المطلوبة لذلك جاهزة ومستعدة للانطلاق. فبالإضافة إلى الجهود المتواصلة لتأمين المخزون النووي الروسي، تقوم الإدارة الأميركية منذ فترة باستكشاف إمكانية إقامة نوع مماثل من التعاون مع باكستان وغيرها. وعلاوة على ذلك قام وزير الطاقة الأميركي "سبنسر إبراهام" مؤخراً بإطلاق ما يعرف بـ"المبادرة العالمية لتقليص التهديدات النووية"، والتي يرمز لها على سبيل الاختصار باللغة الإنجليزية باسم مبادرة "GTRI"، وتهدف إلى إزالة مواد تصنيع القنابل النووية نهائياً من المواقع الأكثر تعرضاً للخطر في العالم على أن يتم ذلك على جناح السرعة.
وهناك ثلاث خطوات يتعين القيام بها إذا ما أراد العالم أن يكسب تحدي إغلاق المنشآت النووية:
الخطوة الأولى: البدء بالخطوات التنفيذية لمبادرة "GTRI" وفي أسرع وقت وبأفضل الطرق وأكثرها مرونة، على أن يكون الهدف هو إزالة المواد الكافية لتصنيع قنابل نووية من المنشآت النووية، الأكثر تعرضاً للتهديد في العالم خلال أربع سنوات من الآن. ويجب على الكونجرس الأميركي في هذا السياق، أن يمنح وزير الطاقة الأميركي سلطة واضحة ومرنة، وكذلك المخصصات المالية التي يحتاج إليها.
الخطوة الثانية: يجب على الولايات المتحدة وروسيا أن تقوما بتسريع جهودهما بشكل جذري لتأمين المخزون النووي الروسي. ويجب على القمة الروسية – الأميركية القادمة أن تعمل على التوصل إلى اتفاق بشأن التخلص من كافة العقبات السياسية التي لا زالت تحول دون تحقيق أي تقدم، مع تحديد موعد نهائي يتفق عليه لإنهاء العمل. ويجب عل