لك أن تسمي هذه الظاهرة كما تشاء. ولك أن تصفها بأنها بيت الزجاج المفقود أو خلافه. المهم أنه وعلى مدى عدة سنوات، ظل العلماء يواصلون أبحاثهم في محاولة للإجابة على سؤال مهم: أين تذهب تلك الكميات الكبيرة، من غاز ثاني أكسيد الكربون، التي تنبعث يومياً في الهواء والغلاف الجوي المحيط بنا؟ صحيح أن كمية كبيرة منه تجد طريقها إلى الغلاف الجوي، غير أن نسبة التركيز السنوية لهذا الغاز، يفترض أن تكون أعلى بكثير من النسبة الحالية، التي لا تتجاوز معدل 50 في المئة فحسب، من مجمل الكمية التي تفرزها الأنشطة البشرية من الغاز نفسه. وما دام الحال هكذا، فأين تذهب الخمسون في المئة الأخرى إذن؟
لقد اتضح من خلال البحوث والدراسات التي أجراها العلماء، أن ذلك المكان المجهول الذي يمتص كميات كبيرة من الغاز المعني، هو المحيطات والبحار. ومما لا شك فيه، أن هذا التركيز لغاز ثاني أكسيد الكربون داخل مياه المحيطات، يمثل خطراً كبيراً على سلامة الحياة البحرية. وفيما لو استمر انبعاث هذا الغاز من الصناعات المختلفة، بمعدلها الحالي، فإن على الأرجح أن تتحول الطبقات العليا من مياه المحيطات والبحار، قريباً إلى مياه أكثر حمضية، بنهاية القرن الحالي. وعلى رغم أن هذا التحول يبدو بطيئاً جداً وتدريجياً في الوقت الحالي، إلا أن من شأنه أن يلحق أضراراً بالغة ببعض الكائنات البحرية الرئيسية، التي تعتمد عليها السلسلة الغذائية للأحياء البحرية، علاوة على إمكان إضرارها بسلامة الحيْد البحري في المياه الضحلة، مع العلم بأن هذا الحيْد يعد من أكثر التكوينات البحرية إنتاجاً من الناحية البيولوجية. إلى ذلك مضى بعض الباحثين إلى القول، إن التركيز المستمر لغاز ثاني أكسيد الكربون، سيسفر عن تغييرات كيمائية في مياه المحيطات نفسها، علماً بأن وضوح أثر هذه التغييرات لن يتكشف إلا بعد مضي 20 مليون سنة على الأقل.
من جانبه صرح الدكتور "جون ريفين"، أستاذ الأحياء البحرية في جامعة "داندي" في سكتلندا، قائلا إن الكثير قد جرى فعله من قبل المجتمع الدولي، حول تأثير الغاز على الغلاف الجوي، وكذلك عن مدى علاقته بتغير المناخ العالمي. واليوم، فإن علماء الفيزياء الجغرافية، يؤكدون أن ازدياد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون المذاب في مياه البحار، سيجعل الطبقات السطحية من البحر، أكثر سمية وحمضية.
ولعل أول صرخة اهتمام جدي بهذا الأمر جاءت من المملكة المتحدة. فاعتباراً من نهاية الشهر الماضي، شرعت "الجمعية الملكية"- وهي المرادف البريطاني، لأكاديمية العلوم الأميركية- في دراسة يقوم بها عدد من العلماء، الغرض منها تقرير ما يراه العلم حول الازدياد المستمر في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في مياه البحار، على الكائنات والحياة البحرية. إلى ذلك يقال أيضاً إن رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير"- الذي جرى ترشيحه لمنصب رئاسة الدول الصناعية الثماني خلال اجتماعها العام المقبل- يضع، مسألة التغير المناخي، في مقدمة جدول أولوياته لذلك الاجتماع. على الصعيد نفسه، فإنه يتوقع للدراسات التي تشرف عليها أكاديمية العلوم الأميركية، دور كبير في المناقشات التي تدور في تلك القمة. يذكر أن النتائج التي توصل إليها العلماء التابعون لهذه الأكاديمية، تم الكشف عنها بعد شهر كامل من نشرها أولا في مجلة العلوم الأميركية، وأنها تمكنت من حل ذلك اللغز الذي أحاط بتركيزات ثاني أكسيد الكربون المفقودة، علاوة على رصد تأثيراتها البيولوجية الكيمائية على الكائنات والحياة البحرية.
وكان فريق عمل، قد تشكل تحت رئاسة الباحث الكيمائي "كرستوفر سابين"، قد بذل جهوداً أسطورية، من أجل رسم صورة عالمية شاملة، لما تعنيه زيادة تركز غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد اعتمدت الدراسة التي أعدها الفريق، على فحص ودراسة حوالي 70 ألف عينة بحرية، تم جمعها من مختلف أنحاء العالم. كانت العينات المشار إليها قد جمعت من مختلف أنحاء العالم، خلال رحلة علمية جرت في أواخر عقدي الثمانينيات وبداية التسعينيات، بغية قياس دورة المحيطات، وحركة غاز ثاني أكسيد الكربون خلال النظام البحري. ونقل عن الدكتور "سابين" قوله: لقد أصبحنا على علم منذ عدة سنوات، أن مياه البحار والمحيطات، تمتص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، غير أننا لم نكن قادرين على تحديد الحجم، اعتماداً على نظام القياس المباشر الذي نجريه اليوم.
وخلال الفترة الممتدة بين الأعوام 1800-1994 أي خلال ما يقارب قرنين، فقد اتضح أن مياه المحيطات تمتص حوالي 48 في المئة من انبعاثات هذا الغاز الناشئة عن النشاط البشري، مثل حرق الحطب، وكذلك حرق الفحم والنفط والغازات المختلفة. وتوصل فريق الباحثين والعلماء الذي اضطلع بالدراسة، إلى أن المحيطات تمتص اليوم حوالي ثلث سعتها الكلية لامتصاص مثل هذه الغازات على المدى البعيد وليس القريب. غير أن المفاجأة الكبيرة في هذه الدراسة، جاءت عندما كشفت النتائج عن تأثير هذه التركيزات لغاز ثاني أكسيد الكربون، على الصورة العامة الدولية الت