في الثاني من سبتمبر الجاري، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1559 الذي نص على ما يلي: اولا: يعيد المجلس تأكيد الدعوة للالتزام باحترام سيادة لبنان، وسلامته الإقليمية، ووحدته، واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة للحكومة اللبنانية، والتي تمتد على كامل التراب اللبناني. ثانيا: يناشد المجلس جميع القوى الأجنبية المتبقية في لبنان الانسحاب منه. ثالثا: يطالب المجلس بتفكيك ونزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان اللبنانية، منها أو غير اللبنانية. وأنا سأذهب إلى أبعد من ذلك، وأطالب بإجراء انتخابات رئاسية لبنانية حرة.
وعلى رغم أن سوريا لم تُذكر بالاسم في هذا القرار، فإن القرار موجه كما هو واضح ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وضد محاولاته لإجبار البرلمان اللبناني على مد فترة ولاية الرئيس أميل لحود لمدة ثلاث سنوات أخرى. وعلى الرغم من القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي، فإن البرلمان اللبناني قام في اليوم التالي لصدور هذا القرار، بالموافقة على تمديد ولاية الرئيس لحود بأغلبية 96صوتا ضد 29 صوتا على رغم أن تلك الولاية يفترض أن تنتهي هذا العام وفقا للدستور اللبناني الحالي.
قرار التمديد لقي معارضة عالية الصوت من قبل أقلية من اللبنانيين، كما قام أربعة وزراء بالاستقالة من مناصبهم اعتبارا من السابع من سبتمبر الحالي احتجاجا على تصرف البرلمان اللبناني، وعلى الضغط الذي مارسته سوريا عليه. ولكن تلك الاحتجاجات لن تؤدي في رأيي إلى أي تغيير للأوضاع في المستقبل القريب، حيث سيبقى النظام السياسي اللبناني تحت السيطرة السورية كما كان من قبل، ولن يحدث فيه شيء، ما لم يحدث تغيير دراماتيكي في السياسة السورية، أو تغيير للنظام فيها.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات في لبنان لن تنتهي على اعتبار أنه دولة توجد بها صحافة حرة لا تتوقف عن انتقاد سوريا، ولا عن انتقاد لحود الذي ينظر إليه الكثيرون على أنه ألعوبة في أيدي دمشق... إلا أن ما يتوجب قوله إن الأسد سيدفع ثمنا غاليا لتجديد ولاية لحود هذه المرة. فالأسد الذي يعاني من العقوبات المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة بموجب قانون محاسبة سوريا، يجب أن يأخذ في اعتباره أن الدولة الراعية للبنان وهي فرنسا تلعب اليوم دورا أكثر نشاطا في المنطقة، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية هذه المرة. ففرنسا وأكثر من أي قوة أوروبية أخرى تفهم أهمية حل الصراعات الداخلية في الدول الواقعة في حوض البحر المتوسط لأنها هي نفسها تعاني من مشكلة داخلية تعمل جاهدة الآن على حلها وتتمثل في استيعاب خمسة ملايين مسلم يعيشون على أراضيها.
والدافع الاستراتيجي الذي يدفع سوريا لاستمرار السيطرة على لبنان يرتبط باستمرار الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية، والتهديدات المحتملة التي تمثلها تركيا، وإلى حقيقة أن لبنان قد أصبح عنصرا رئيسيا في تنشيط الاقتصاد السوري الذي يعاني من الركود من خلال قيامه بتوفير الوظائف للعمال السوريين. وتدخل الأسد الصارخ في السياسة اللبنانية الداخلية، يأتي في وقت ترتفع فيه دعاوى الإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط وتحظى بتأييد من كل شعوبه. وفي الحقيقة أن المد الإصلاحي في الدول العربية والإسلامية قد وصل إلى نقطة سيصبح من المستحيل معها على أي دولة أن تتراجع عنه، بصرف النظر عن السياسات الأميركية المتبعة في هذا المجال. ومن المؤكد أن نظام الأسد في سوريا سوف يصل هو أيضا إلى نقطة استحالة التراجع هذه.
ومن المأمول أن تعود السياسة الأميركية بعد انتهاء انتخابات نوفمبر القادم بالعمل مجددا من أجل حل النزاع في الشرق الأوسط، الذي تعد سوريا وإسرائيل طرفين أساسيين فيه. والحقيقة أننا لا ندري ما هو السبب الذي جعل سوريا وإسرائيل تخفقان في التوصل إلى اتفاق بشأن هضبة الجولان، مع أنهما اقتربتا من هذه النقطة كثيرا،عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك يتفاوض مع الرئيس السوري حافظ الأسد. ولو كانت الدولتان قد توصلتا إلى ذلك الاتفاق لوجد حزب الله نفسه مضطرا إلى التوقف عن العمل لأن أي اتفاق كان سيتضمن بالتأكيد فقرة تنص على ذلك. ولو كان ذلك – توقف حزب الله عن العمل- قد حدث لكان معناه أن العقبة الكأداء التي تقف في وجه تحقيق تقارب بين الولايات المتحدة وإيران قد أزيحت من الطريق للأبد.
والمعالجة السورية لموضوع تمديد ولاية لحود، والتي أدت إلى توحيد الولايات المتحدة وفرنسا في العمل واتفاقهما في الرأي على أحد موضوعات الشرق الأوسط، تعزز الرأي القائل بأن الرئيس السوري لا يتمتع بالرؤية الإستراتيجية التي كان يتمتع بها والده الراحل.