حلّت أمس الذكرى الثالثة لأحداث 11 سبتمبر عام 2001، التي كانت المبرّر لانطلاق "الحرب على الإرهاب"، إرهاب " التطرف الإسلامي" كما ذكر الأميركيون والأوروبيون ويذكرون باستمرار. وكما نعلم فإنّ تلك الحرب كانت لها تداعياتٌ من الطرفين (المُغيرين المسلمين، والمهاجمين الأميركيين) أفْضت إلى تحولها واقعاتٍ تنالُ من الوجود العربي والإسلامي على كلّ المستويات: الجيواستراتيجية، والاقتصادية والسياسية والثقافية، والانتشار العربي والإسلامي في العالم. وكان أسامة بن لادن، الذي خطَّط لأحداث سبتمبر قد وضـع تلك الهجمات ضمن رؤيته للفسطاطين، فسطاط الإيمان (هو وأتباعه)، وفسطاط الكفر (ويشمل العالم كلَّه وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية). لكنه عاد فقال في تسجيلاتٍ مُذاعةٍ أُخرى إنّ المقصود من هجمات سبتمبر والهجمات الأخرى من قبل ومن بعد: الردْع، حتى يخشى الأميركيون نتائج أعمالهم، فلا يستمرون في هجومهم على الإسلام وأهله! ومعنى ذلك أنّ الغاية كانت وما تزال حماية الإسلام والمسلمين، والوسائل لبلوغ تلك الغاية الضربـات الخاطفة، التي قد تنالُ من بعض غير المقصودين بها؛ لكـنّ الغاية "الشريفة" تبرر الوسيلة أو الوسائل. ولو سرْنا مع هذا المنطق حتى النهاية أو النتائج؛ فالذي نُلاحظُهُ أنّ تلك الهجمات حقّقت عكسَ المقصود بها، إذ تستبيحُ الولايات المتحدةُ الآن كلَّ ديار العرب والمسلمين: إمّا لمكافحة الذين قاموا بالهجمات، أو للتوقي من هجماتٍ مماثلة أو لاستباق هجماتٍ يمكن أن تكونَ قيد التخطيط أو التفكير! وقد تجاوز الأمر الضربات العسكرية والضغوط السياسية، إلى الحملات الثقافية على الإسلام باعتباره ديناً أصولياً، إنكارُ الآخر المختلف متأصِّلٌ فيه، والعنف ضدَّ ذلك الآخَر إحدى نتائج ذلك التنكّر والإنكار. فضربات نيويورك وواشنطن ونيروبي ودار السلام ولا أدري أين وأين أيضاً، ما أفادت في ردع الولايات المتحدة بل أعطت لغزواتها مشروعيةً ما كانت لتنالها لولا ذاك العنف العشوائي، الذي لا تبرّرة حتى نظرية الفسطاطين. ذلك أنّ جمهور الفقهاء المسلمين (باستثناء الشافعي) لا يرون مشروعيةً لمقاتلة "غير المسلمين" إلاّ رداً على عدوانٍ أو صداً له. ثم إنه حتى في حالة الحرب لا تجوزُ مقاتلةُ غير المقاتلين من النساء والولدان والشيوخ والشبان الذين لا يحملون سلاحاً. ولو نظرنا في أعداد الذين قُتلوا نتيجة هجمات القاعدة والمنظمات المتطرفة الأُخرى التي تعملُ باسم الإسلام، لوجدْنا أنّ حوالي الـ90% منهم هم من المدنيين غير المقاتلين. وهكذا ففضلاً عن عدم مشروعية أعمال المتطرفين أصلاً؛ فإنّ استخدامها وسيلةً بهدف حماية المسلمين ما كانت ناجعةً بل أدت إلى عكس المقصود منها، إذا كان صَون الدين والأوطان مقصوداً فعلاً.
ولنتأملْ العمل الفظيع والوحشي الذي جرى في بيسلان بأوسيتيا الشمالية نتيجة احتجاز مقاتلين شيشان وعرب لحوالي الألف طفل بمدرسةٍ هناك. وقد كان ذلك هو السياق الذي أدَّى إلى مقتل أربعمائةٍ وجرح سبعمائة أكثرهم من الأطفال. بأي حُجّةٍ جرى ذلك؟ بحجة إرغام الروس على الخروج من بلاد الشيشان! وقضية الشيشان قضيةٌ قوميةٌ عُمُرُها أكثر من قرن، وقد كان الأميركيون والأوروبيون يدعمون حلاًّ هناك يتضمن استفتاءً على حقّ تقرير المصير. ودلّلت أحداث التسعينيات على أنّ الروس لن يستطيعوا إخضاع الشيشان الوطنيين بالحديد والنار. ثم جاءت أحداث سبتمبر، فانتهز الروس والصينيون والإسرائيليون والهنود والفيلبينيون.. وكل الذين لهم مشكلة مع المسلمين، تلك الأحداث للانضمام إلى "الحرب على الإرهاب" من أجل إخضاع تلك الأقليات الإسلامية لسيطرتهم نهائياً، وبدون استنكارٍ من أحد، بعد لجوء "حركات التحرير" هناك إلى احتجاز الرهائن وقتلهم، والإغارة على المدنين. ودخل الشيشانيون تحت تأثير"العرب الأفغان" أو بدون تأثيرهم في أعمال الإرعاب والإرهاب تلك من تفجير المباني في المدن، إلى احتجاز الناس في المسرح، ثم إلى قتل الأطفال في أوسيتيا. وبذلك فبدلاً من أن تؤدي تلك الأعمال إلى إخراج الروس، أنْست العالم أعمالهم الفظيعة طوالَ أكثر من قرنٍ بالشيشان، وجعلت بقاءهم وعنفهم مشروعاً لآمادٍ وآماد. فما كانت الوسيلةُ خادمةً للغاية بل مُضادَّةً لها، فضلاً عن الفظائع التي التصقت بالإسلام والمسلمين، ولن ينساها العالَمُ بسهولة.
والمعروف أنّ إدارة الرئيس بوش عندما انطلقت في حربها على الإرهاب الإسلامي، أدخلت فيه عراقَ صدام حسين، بحجة أنه يشكّل خطراً على أمن الولايات المتحدة لامتلاكه أسلحة دمارٍ شاملٍ، ولتعاونه مع قاعدة أُسامة بن لادن. وقد اتضح منذ عامٍ ونصف على الأقلّ أنّ ذلك غير صحيحٍ بتاتاً. فدخل غزو العراق في قاعدة بوش للحروب الاستباقية. وكما كان الذين قُتلوا في الغزو أكثرهم من المدنيين العراقيين؛ فإنّ الذين قُتلوا بعد الغزو تزيدُ نسبةُ المدنيين منهم على الـ90%. وأعتقد أنّ هذه الحقيقة هي الأفظعُ في حالة العراق، بعد مسألة الغزو والاحتلال مباشرةً. والذي حدث مؤخّراً أننا