مع بداية العام الدراسي تلقيت العديد من الطرائف حول التعليم ولكن ما شد انتباهي منها طرفتان الأولى كانت "أثناء مهرجان صيف دبي وفور الإعلان عن أسبوع العودة إلى المدارس أغمي على بعض المعلمين من هول المفاجأة"، أما الثانية فكانت:"يسرنا أن نقدم لكم الفيلم المرعب العودة إلى المدارس، الفيلم من إعداد وإخراج وزارة التربية والتعليم، وهو حاصل على السعفة الذهبية وجائزة أوسكار عن أكثر الأفلام إرهاباً ورعباً".
أعتقد أنها بداية جميلة للعام الدراسي أن تشيع هذه الطرائف بين المعلمين، لكن السؤال الذي دار في ذهني وأنا أضحك على هذه الطرائف، هل هي تحكي واقعاً معيناً يعيشه المعلمون، أم أنها مجرد توليفات لإعلان انقضاء الإجازة فنحن نعرف أن العرب ولسبب أو لآخر عندما لا تمكنهم الظروف المحيطة من إعلان موقفهم الصريح حول قضية ما فإنهم يحولون ذلك الصراع النفسي إلى طرائف من باب التنفيس عن الذات. ومن هنا أود أن يقوم إخواننا في وزارة التربية والتعليم بعمل دراسة حول الرضا الوظيفي لدى المعلمين، لأنه لا يوجد أسوأ من معلم يتعامل مع الطلبة بمثل هذه النفسية، فمهما حاول المعلم غير الراضي عن المهنة الضغط على نفسيته كي يبدو سعيداً أمام المتعلمين فإنه لن ينجح ولو نجح فإن ذلك سيكون على حساب أمور مهمة مثل صحته أو إبداعه في الميدان التربوي، ونحن حقيقة لا نريد معلمين لأبنائنا يعانون من الصراع الداخلي الذي قد ينفجر بركاناً في يوم من الأيام في وجه المتعلمين وأيضا لا نريد معلمين تقليديين هدفهم نقل ما في الكراس إلى الرأس.
تأمل عزيزي القارئ حال الطلبة وهم ذاهبون إلى مدارسهم في الصباح الباكر حيث تجد المتعة والسرور باديين على وجوههم الكريمة وتأملهم وهم يغادرون مدارسهم كيف ينتحبون لأنهم يغادرون أحب بقعة إلى قلوبهم ألا وهي المدرسة. هل تلاحظ معي هذه الظاهرة؟ إن لم تلحظها فهناك مشكلة كبيرة في مدارسنا. بكل تأكيد ليس هناك تعميم على واقعنا التربوي. فهناك تفاوت كبير بين المدارس من الناحيتين المادية والمعنوية، وهنا أقدِّر ما تقوم به الوزارة من محاولات جادة للتطوير وأثمِّن جهود مديري المدارس والمعلمين المبدعين الذين نجحوا في تحويل مدارسهم إلى واحات يانعة للعلم والتعلم.
أنقل لكم بتصرف فقرة من كتاب أميركي لطيف عنوانه: أطعم المعلم أو أنه سيأكل الطالب. تقول مؤلفة الكتاب "تخيّل معي أنك ذاهب إلى مطعم لتناول وجبة غداء وكان الجو حاراً جداً. من باب الأدب وكي لا تتأخر عن الموعد تذهب مبكراً بربع ساعة فتجد ازدحاماً شديداً أمام باب المطعم، حيث يتجمهر المدعوون أمام الباب الرئيسي لأنه لم يؤذن لهم بالدخول حتى يأتي موعد الدعوة. يتحمل الناس الجو الحار إكراماً للداعي، وبعد ربع ساعة يؤذن للناس بالدخول فتتفاجأ بمستوى القذارة التي تحيط بك من كل مكان، حيث الجدران مطلية بأصباغ شاذة أما الأثاث فهو بين التحطم والتمزق، والمكان مكتظ بالزبائن حيث يزدحم العشرة أفراد على طاولة الخمسة. تحملت كل ذلك في سبيل الطعام الذي قد يقدم لك، لكن النادل الذي كان يعمل في المطعم يتقدم نحوك ويقول لك إنه لا يسمح لك بالذهاب إلى دورة المياه وأنت تأكل. ومن قواعد المطعم أنك ملزم بأكل كل الأطباق التي ستقدم لك شئت أم أبيت. ومن القواعد العجيبة أنه لا يسمح لك بالحديث وأنت تأكل. أما الطامة الكبرى فكانت أن الجميع يأكل في نفس الوقت وبنفس السرعة وخلال نفس الزمن وعندكم فقط 45 دقيقة لتناول كل ما سيقدم لكم. قدم لكم النادل هذه التعليمات ولم يسمح لكم بمناقشتها وأعلن بدء الخدمة. حاولت الامتناع عن تناول بعض الأطباق لأنها لا تتناسب مع معدتك فتم عقابك بحرمانك من الماء خلال وجودك في المطعم. لم تصدق نفسك وقد مرت عليك الدقائق كأنها ساعات، ثم أعلن انتهاء فترة الدعوة. هرولت مسرعاً خارج المطعم. كم منكم سيفكر في العودة مرة أخرى إلى هذا المطعم ؟"
هل تذكركم هذه القصة بمطعم آخر موجود في وطننا ؟ إذا كان الأمر صحيحاً فما الحل؟.