أنور إبراهيم: وزير سابق "كسر ظهره" اتهام باطل


 لعل الاهتمام الذي حظي به في ماليزيا إطلاق سراح نائب رئيس وزرائها ووزير ماليتها السابق أنور إبراهيم، يمثل تعبيراً عن مكانته كمعارض بارز وجسور داخل أوساط المجتمع السياسي الماليزي، وربما فيه إشارة لنظرة الكثيرين إلى دوافع وخلفيات قضية اعتقاله طوال السنوات الماضية. فلا حديث الآن في ماليزيا ذات الحيوية الاقتصادية العالية، إلا حول ملابسات الإفراج المفاجئ عن أنور إبراهيم، وعن حالته الصحية، ومستقبله السياسي في ساحة طبعتها تغيرات كثيرة خلال وجوده في غياهب المعتقل.


لدى توجه أنور إبراهيم إلى ألمانيا ظهيرة الأحد الماضي خرج آلاف من أنصاره إلى مطار كوالالمبور لتوديعه في أكبر عرض تأييد للسياسي الذي احتفظ بابتسامته ملوّحاً بجوازه الجديد، وقد بدا هزيلا ومنهكاً وهو جالس في كرسي متحرك ويضع دعامة على عنقه من جراء إصابة في العمود الفقري، قال إنها نتيجة الضرب الذي تعرض له على أيدي الشرطة أيام اعتقاله. وإثر ذلك نقل مراراً من سجنه في ضواحي كوالالمبور إلى أحد مستشفيات العاصمة للعلاج من الانزلاق الغضروفي، لكنه عانى من آلام شديدة وطالب منذ عام 2001 بالسماح له بإجراء عملية جراحية دقيقة في الخارج، غير أن السلطات الماليزية رفضت طلبه رغم تأكيدات فريق أطباء هولندي على أن أنور مهدد بالشلل إذا لم تجر له عملية جراحية خارج ماليزيا وعلى وجه السرعة.


لكن أنور إبراهيم ما أن تم إطلاق سراحه حتى سافر في رحلة علاجية إلى ميونيخ، ومعه والده وزوجته واثنان من أبنائه وعدد من مساعديه، حيث أجريت له صبيحة الاثنين الماضي عملية جراحية ناجحة في الظهر، ويقضي الآن فترة نقاهة هناك. وإذا ما كتب لأنور أن يعود معافى إلى ماليزيا فسيقرر مستقبله السياسي. وكان قد أعلن فور إطلاق سراحه أنه باق على التزامه بالنضال من أجل الديمقراطية والعدالة ومحاربة الفساد، وأكد مراراً من داخل سجنه أنه لا يقبل أية تسوية بشأن برنامجه الساعي إلى الإصلاح والديمقراطية. فأنور صاحب حضور طاغ ويحظى بشعبية كبيرة في ماليزيا، وكان مرشحاً لخلافة رئيس وزرائها القوي السابق مهاتير محمد قبل أن يختلفا عام 1997. ووراء الرجل تجربة طويلة من العمل السياسي تعود إلى أواسط الستينيات عندما كان طالباً في الجامعة. أسس في عام 1971 "حركة الشباب الإسلامي" ذات التأثير والامتداد، قبل أن تتحالف في نهاية الثمانينيات مع "تنظيم ماليزيا الوطني" (أمنو) الحاكم في ماليزيا منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1957، فأصبح نائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للمالية في عام 1991، وأثار اعتقاله زلزالا سياسياً وأدت صوره التي أظهرت آثار الضرب عليه دوراً جزئياً في خسارة "أمنو" 22 مقعداً في انتخابات نوفمبر 1999، حيث هبط تأييده بين الملايو إلى أقل من النصف نتيجة التعاطف مع أنور إبراهيم، رغم أن مهاتير محمد ينتمي هو أيضاً إلى هذه العرقية (مسلمة بالكامل) التي تمثل 63% من سكان ماليزيا البالغ عددهم 24 مليون نسمة.


لكن أنور بن داتيك إبراهيم عبد الرحمن ينتمي إلى إقليم بيلو بينانج الرئيسي حيث ولد لأبوين متدينين من عائلة متوسطة الحال عام 1947. والآن سيمكنه تعبئة أنصاره من خلال الأطر التنظيمية لـ"حزب العدالة الوطني" الذي أسسته وقادته زوجته عزيزة إسماعيل أثناء وجود أنور في السجن، وهي طبيبة محجبة ومثابرة ناضلت إلى جانبه في "حركة الشباب الإسلامي" ثم تزوجها عام 1973، ولدى خروجه من قاعة المحكمة، بداية الشهر الحالي، شكرها كثيراً لقيادتها حركة الكفاح من أجل إطلاق سراحه، وقال إنها "زوجة عظيمة، وسيدة عظيمة، وصديقة عظيمة". ولا زال غموض كثير يحيط بقصة إقصاء أنور إبراهيم واعتقاله ثم محاكمته. لكن ما هو مؤكد أن بدايتها تعود إلى عام 1997 أثناء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عرفتها دول جنوب شرق آسيا، عندما اختلف مع رئيس الحكومة مهاتير محمد حول قرارات اتخذها الأخير تضع قيوداً على حركة رؤوس الأموال وتثبت أسعار الصرف، خلافاً لتوصيات من صندوق النقد والبنك الدوليين كان يطبقها أنور بوصفه وزيرا للمالية، فأقيل من منصبه في 2 ديسمبر 1998، ثم ألقي القبض عليه بعد 18 يوماً عندما قاد آلاف المواطنين في احتجاجات مناهضة للحكومة في شوارع كوالالمبور. وفي التاسع والعشرين من نفس الشهر وجهت إليه خمس تهم فساد أدين بها في إبريل 1999 وحكم عليه بالسجن 6 سنوات، وفي أغسطس 2000 وجهت إليه خمس تهم أخرى بالانحراف الجنسي وحكم عليه بتسع سنوات سجناً. وبعد معارك قضائية طويلة نجح في استئناف الأحكام السابقة وقررت المحكمة الفيدرالية في الثاني من الشهر الجاري براءته مع أخيه بالتبني "دار ماوان" من التهمة الموجهة إليهما في قضية لواط السائق الخاص للدكتورة عزيزة إسماعيل المدعو عزيزان أبو بكر في عام 1993، وتم إخلاء سبيلهما على الفور.


ورغم أن خروج أنور إبراهيم من السجن كان بقرار قضائي، فقد فاجأ غالبية الماليزيين