إن المؤشرات المتزايدة حالياً على احتمال إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل ليست بجديدة، فلقد صدر أول توقع بانتهاء عمر حكومة شارون قبل موعدها المقرر عام 2007 خلال شهر يونيو الماضي بعد أن تعرضت خطة رئيس الوزراء للانفصال من جانب واحد عن قطاع غزة لضربة مزدوجة. فلقد عارضها عديدون من أعضاء الحكومة الائتلافية بما فيهم أعضاء ووزراء في حزب ليكود نفسه، وهو ما اضطر شارون إلى قبول إجراء تعديلات في خطته في مجلس الوزراء جعلت بعض السياسيين يصفونها بعد التعديل بأنها قد أصبحت مثل الدجاجة التي نتف ريشها ونزع لحمها فلم يبق منها سوى ساقين تحملان هيكلاً عظمياً. كانت تلك الضربة الأولى لخطة شارون، وصدرت الخطة من مجلس الوزراء وقد تضمنت قيداً فعلياً على حركة شارون تمثل في بند ينص على أن التصويت الذي أجرته الحكومة لا يمثل ضوءاً أخضر للبدء في الإزالة الفعلية للمستعمرات في غزة على عكس ما نصت عليه الخطة الأصلية. بالإضافة إلى هذا القيد ألزم قرار الحكومة شارون بعدم إصدار أي إعلان رسمي حول إخلاء المستعمرات قبل شهر مارس 2005. ولنلاحظ أن هذا التاريخ قد أصبح اليوم التاريخ الذي يعتقد بعض الساسة والمراقبين في إسرائيل أنه سيكون موعد إجراء الانتخابات المبكرة، وهو ما يعني تجميد الخطة إلى أن تنتهي عملية الانتخابات ويتم تشكيل حكومة جديدة ببرنامج جديد. لقد جاءت هذه القيود على خطة الانفصال عن غزة لتقزم عملية التسوية وتنسف خطة خريطة الطريق التي كان شارون قد قبلها على مضض وسجل عليها أربعة عشر تحفظاً.
أما الضربة الثانية التي تعرض لها شارون في شهر يونيو والتي دفعت بعض السياسيين إلى طرح توقعهم بإجراء انتخابات مبكرة، فقد تمثلت في انسحاب بعض الوزراء المنتمين إلى أحزاب الائتلاف من الحكومة، وبالتالي تخفيض رصيد الحكومة في الكنيست. لقد أدت الضربتان معاً بشارون إلى البحث عن حل يسمح له بمواصلة الحكم وتنفيذ خطة الانفصال عن غزة مقابل الاحتفاظ بأكبر مساحة ممكنة من أرض الضفة الغربية. ولقد وجد هذا الحل في اقتراح ضم حزب العمل إلى الحكومة الائتلافية. ومع بداية إجراء المفاوضات لضمه إلى الحكومة صرح أحد المستشارين المقربين من شارون بقوله: إن الوحدة مع حزب العمل أمر لا مفر منه وإنه إذا فشل هذا الخيار فإن الخيار الذي سيبقى أمام شارون هو حل الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة.
كان إذن التوقع من جانب ايلي لنداو مستشار شارون مرتبطاً بفشل احتمال ضم حزب العمل إلى الحكومة ليحل محل الأحزاب الدينية واليمينية الصغيرة التي بدأت تزايد على شارون في التطرف الصهيوني. غير أن هذا الحل السعيد بالنسبة لشارون تعرض للتخريب من داخل حزب ليكود. ذلك أن نوعين من القوى السياسية داخل الحزب قررا اعتراض مسيرة الائتلاف مع حزب العمل. النوع الأول هم الوزراء الذين خشوا من فقد مقاعدهم الوزارية في حالة دخول وزراء حزب العمل ليحلوا محلهم، وأبرزهم سيلفان شالوم وزير الخارجية المزهو بمنصبه الذي يحتله لأول مرة في حياته والذي كان متأكداً أن زعيم حزب العمل شمعون بيريز سيحل محله في حالة نجاح الائتلاف. أما القوة الثانية فهي مجموعة الأيديولوجيين في الحزب والذين يتمسكون برؤية الحزب الأصلية والتي تقوم على اعتبار كل أرض فلسطين التاريخية بمثابة "أرض إسرائيل الكاملة" والتي لا يجب التخلي عن شبر واحد منها تطبيقاً لشعار "ولا شبر واحد" الذي أطلقه مناحيم بيجن زعيم الحزب فور سقوط الأرض تحت الاحتلال عام 1967. وتمثل هذه القوة أو المجموعة السياسية داخل الحزب قوة لا يستهان بها.
المهم أن هذين النوعين من القوى داخل ليكود استطاعا أن يخربا على شارون حل ضم حزب العمل عندما استطاع النشطاء جمع التوقيعات اللازمة قانوناً لدعوة مندوبي مؤتمر الحزب إلى اجتماع طارئ للنظر في قرار شارون بضم حزب العمل إلى الحكومة وإجراء تصويت على القرار. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها معسكر شارون لإقناع الأعضاء بأن خطة الانفصال عن غزة هي لصالح استيطان الضفة الغربية وأن ضم حزب العمل لن يؤثر على الهدف الأهم وهو الاستيلاء على أكبر مساحة من الضفة، فقد أيدت الغالبية اقتراح الوزير عوزي لانداو زعيم القوة الأيديولوجية الصهيونية المتطرفة برفض انضمام حزب العمل إلى الحكومة. وقد أدت نتيجة التصويت إلى وضع حزب العمل في موقف شديد الحرج أمام جماهيره التي رأت في إقباله على دخول الحكومة نوعاً من التهافت السياسي الذي يمكن أن يدمر شعبيته تماماً. وعلى الرغم من هزيمة شارون، فقد عبّر عن عزمه على ضرورة توسيع حكومته الائتلافية بضم أحزاب صهيونية أخرى إليها تقبل خطته.
لقد أدت هذه التطورات الدالة على أن الأغلبية داخل صفوف الحزب تتمسك بالفكر الأسطوري التوسعي، وترفض أية محاولات للتسوية مهما غالت في التهام حقوق الشعب الفلسطيني إلى رد فعل يتميز نوعاً ما بالكبرياء السياسي في صفوف حزب العمل. فلقد أعلن شمعون بيريز في اليوم التالي للتصويت والذي تم في شهر أغسطس أن حزب العمل سيدعو إلى إجراء انتخابات جدي