كمبوديا، يوغوسلافيا، تيمور الشرقية، سيراليون، الكونجو، ليبيريا، رواندا، وأخيراً دارفور... إثر كل واحدة من هذه الفظائع الكبرى وحروب الإبادة التي شهدها القرن، تعلو الأصوات قائلة: لن يتكرر هذا، لن يحدث مطلقاً. ولكن الذي يحدث مرة تلو الأخرى، هو هذه المذابح الجماعية، التي حان الوقت لوضع حد لها. وفيما يلي نوضح الكيفية التي يتحقق بها هذا. لننشئ وحدة طوارئ دائمة، تابعة للأمم المتحدة، ونجعل لها مقر قيادة، في دولة تختارها وتحددها الأمم المتحدة، على أن تكون هذه القيادة قادرة على التحرك، وإخماد نار أية حرب تطهير جماعي، خلال 48 ساعة فحسب، إثر حصولها على تفويض بالتحرك من قبل الأمم المتحدة. ولأنها ستكون قوة مستديمة، فإنها ستكون في غنىً عن التأخير الذي يحدث حالياً، في إرسال وحدات الطوارئ، التي نضطر لإنشائها عند الضرورة فحسب. ولأنها سوف تتألف من مقاتلين متطوعين من مختلف أنحاء العالم، فلن نكون ضحية كما هو الحال كل مرة، لتردد الدول الأعضاء في المجلس، إزاء إرسال قواتها إلى مناطق النزاعات الخطرة التي تنشأ من حين إلى آخر في شتى أنحاء الكرة الأرضية.
وفي وسع قوة مؤلفة من حوالي 12 إلى 15 ألف فرد، أن تكون على درجة عالية من التدريب والمهارة القتالية، فضلا عن حسن تنظيمها، بحيث لا تخفق في أداء مهامها الطارئة، لأسباب ذات صلة بالمهارات أو المعدات الحربية، أو التنظيم والخبرة في فض النزاعات، سواء كانت ذات طبيعة قومية أم دينية أم خلافها. على أنه من الضرورة أن تجمع هذه الوحدة بين المدنيين والعسكريين، والقضاة وعمال الغوث والعمل الإنساني، وغيرهم ممن يستطيعون أداء كافة مهام وحدة الطوارئ هذه، في جوانبها المختلفة، عند نشوب النزاعات والمواجهات ذات الطبيعة المعقدة. وخلافاً لما تكون عليه الوحدات العسكرية في مثل هذه الحالات، فإن الوحدة المقترحة لن تعاني من مشكلات نقص المهارة والتدريب في أداء المهام الخاصة بالسلام. أما في الناحية التنظيمية والإدارية، فإنه لن تكون هناك مشكلة، لكون الوحدة ستتبع إدارياً لقائد تعيّنه الأمم المتحدة، على أن يوافق عليه مجلس الأمن الدولي.
وحسب العرف الساري فيما مضى، وحتى في الحالات التي يوافق فيها مجلس الأمن الدولي، على القيام بعملية تستهدف السلام، فإن وصول القوة فعلياً، وبدء عملياتها في مسرح النزاعات، يتطلب مضي عدة شهور على تنفيذ مهمة كهذه. غير أن إنشاء وحدة للطوارئ مثل التي نقترح الآن، سيكون في وسعه إحداث نقلة كبيرة، في سرعة استجابتنا لمثل هذه النزاعات والمواجهات الطارئة. أضف إلى ذلك، أنه وفيما لو تم إنشاء الوحدة، واكتسبت سمعتها من خلال كفاءتها في الاستجابة الطارئة، فإن ذلك سيشجع مجلس الأمن الدولي نفسه، على عدم التردد في نشر قوات دولية، لأنه لن يكون بحاجة إلى دفع نفقات بداية إنشاء قوات الطوارئ الدولية.
في الماضي، فإن النتيجة الطبيعية لعجز الأمم المتحدة عن التحرك السريع تجاه مناطق النزاعات وحروب التطهير العرقي، هي أن لقي ملايين المواطنين الأبرياء حتفهم، وجرت إصابة ملايين آخرين، لا لشيء سوى عجز الأسرة الدولية عن إنقاذ حياتهم وأرواحهم من الخطر. كما أجبرت الحروب ذاتها، ملايين البشر على ترك ديارهم وممتلكاتهم، مؤدية بذلك إلى دمار اقتصادات بلاد بحالها، وإهدار مليارات الدولارات، دون مبرر أو سبب. ولو أنشأت الأمم المتحدة وحدة طوارئ كهذه، لما مات الآلاف من الذين يجري ذبحهم وقتلهم في دارفور، ولما اضطر الملايين للفرار من بيوتهم ومزارعهم، وهم الذين كان في إمكانهم البقاء، وممارسة أنشطتهم وحياتهم الزراعية التقليدية التي دأبوا عليها.
وفي وسع الوحدة المقترحة أن تحمي الأسر والأفراد من الغارات الشعواء التي يشنها محاربو حملات التطهير العرقي. كما يمكنها جمع المعلومات والأدلة عن الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية، واعتقال من يرتكبونها. بل سيكون في وسعها، تقديم المعتقلين أمام محاكم نزيهة، تنطبق عليها شروط ومعايير المحاكم الدولية، فضلا عن حسن معاملتهم وعدم الإساءة إليهم خلال فترة الاعتقال. كما تستطيع الوحدة أن تشرع بتقديم المساعدات الإنسانية لأولئك الذين أرغموا على الفرار من ديارهم في غارات سابقة استهدفت حياتهم، إلى جانب حماية ظهور عمال الإغاثة الدوليين، وتوفير الأمن اللازم لأداء مهامهم. لكل هذه الأسباب، فإنه وفيما لو أنشئت هذه الوحدة بالفعل، فستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة، التي تستطيع فيها التحرك على جناح السرعة إلى مسارح النزاع وحملات الإبادة الجماعية الفظيعة.
روبرت سي. جوهانسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زميل أول لدى معهد كروك لدراسات السلام العالمي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة نوتردام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ