بعد مرور ثلاثة أعوام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تأتي عملية احتجاز الرهائن في أوسيتيا الشمالية ومحصلتها الرهيبة، كما تأتي عملية اختطاف صحفيين فرنسيين في العراق، كي تسلطا ضوءاً جديدا على المصاعب التي تواجه الإرهاب الإسلامي.
في الكتيب الذي أصدره عام 2001 والمعنون: فرسان تحت راية النبي. قام أيمن الظواهري كبير منظري القاعدة بتذكير القراء بأن طليعة المجاهدين كانت معرضة دوماً لخطر الانعزال عن "جماهير المسلمين". وكتب الظواهري أيضاً يقول إن المجاهدين كانوا بحاجة لاكتشاف طرق جديدة لتعبئة تلك الجماهير، في سبيل تحقيق الهدف السياسي الأسمى وهو: انتصار الدولة الإسلامية، وفرض حكم الشريعة الإسلامية على العالم بأسره. وينظر الظواهري إلى عقد التسعينيات باعتباره عقداً من الفرص الضائعة. فالجهاد في ذلك العقد، تعرض للفشل في الجزائر، والبوسنة، ومصر، وكشمير لأن المقاتلين أثبتوا عجزهم عن استقطاب المجتمع المدني في تلك الدول. ولعكس هذا الاتجاه، خرج الظواهري بفكرة القيام بعمليات إرهابية ضخمة وغير مألوفة، لإحداث صدمة لدى العدو، وجعل الجماهير الإسلامية تنظر إلى المجاهدين على أنهم أبطال. كما نظر الظواهري وأسامة بن لادن إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر باعتبارها وسيلة "لتعظيم" الجهاد ضد إسرائيل "وحرق أيدي الولايات المتحدة" التي ينظرون إليها على أنها "عدو الإسلام البعيد" وحليف الدولة اليهودية.
ولكن أيمن الظواهري، وبعد مرور ثلاث سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يحقق هدفه. وعلى رغم أنهم قاوموا استراتيجية الولايات المتحدة العسكرية التي استمدت إلهامها من الحرب الباردة، وقاموا بتوجيه سلسلة من الهجمات الإرهابية الدموية التي امتدت من بالي إلى مدريد، فإن المجاهدين لم ينجحوا في الاستيلاء على السلطة في أي مكان. ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث رأيناهم يفقدون معقلهم الحصين في أفغانستان، كما رأينا قوات التحالف التي يقودها الأميركيون تأتي إلى العراق وتحتل بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية التاريخية.
وبالنسبة لـ"العلماء" فإن ذلك كان بمثابة الكارثة. فبدلا من القيام بغزوات في عمق أراضي العدو، فإن العدو هو الذي جاء إلى أراضي المسلمين، كما منى الجهاد بالفشل وكاد ينتهي إلى (فتنة) أو حرب داخلية بين الشيعة والسنة، وبين العرب والأكراد، والمسلمين وغير المسلمين ، ولم ينتج في النهاية سوى الخراب والفوضى. وفي أوساط الفلسطينيين كذلك أدى الجهاد إلى حدوث فتنة.. حيث فقدت السلطة الفلسطينية نفوذها، وقامت حكومة آرييل شارون ببناء جدار لإعاقة حركة منفذي التفجيرات الانتحارية، وخنق الاقتصاد الفلسطيني.
والمجاهدون يقفون الآن في مفترق الطرق باحثين عن شعارات وطرائق عمل جديدة لإجراء عملية تعبئة شاملة لجماهير المسلمين. وهذا تحديداً هو السياق الذي جرت فيه مذبحة أوسيتيا الشمالية، والذي جرى فيه اختطاف الصحفيين الفرنسيين في العراق. وعلى رغم أن هناك الكثير من الشيشانين الذين يمقتون سياسة الكريملين ويتوقون إلى نيل الاستقلال، إلا أن القليلين منهم فقط هم الذين يتعاطفون مع الإسلاميين الراديكاليين، الذين حاولوا اختطاف حركة الاستقلال الشيشاني. وعملية احتجاز مئات الأطفال كرهائن، كان القصد منها إظهار أن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو الشيشان قد فشلت. وكان المجاهدون يهدفون من وراء تلك العملية إلى إجبار موسكو على التوصل إلى اتفاق معهم. ولكن هذا الأسلوب الإرهابي، أدى إلى إقصاء الرأي العام المسلم، حتى قبل أن تنفجر أول قنبلة. وكان يمكن لبوتين أن يستغل هذا النفور، دون حاجة إلى قيام قواته باقتحام المدرسة، وتحويل مجزرة أوستيا إلى أسوأ حادث إرهابي منذ الحادي عشر من سبتمبر من ناحية الخسائر التي ترتبت عليها.
ولقد أثبت رجال السياسة الروس أنهم لا يفهمون طبيعة التحدي الذي يواجهونه. فهم يستخدمون وسائل عتيقة، وأسلحة تم تصميمها في الحقبة السوفيتية لكبح جماح المنشقين، دون أن يعرفوا أن تلك الوسائل والأسلحة غير كافية، ولا هي فعالة في مواجهة الإرهاب الإسلامي في القرن الحادي والعشرين.
فالولايات المتحدة ذاتها، بما تملكه من أسلحة "ذكية" تم تصميمها لكسب الحرب الباردة، لم تنجح في محاولاتها الرامية للقضاء على قيادات تنظيم القاعدة.
إن اختطاف الصحفيين الفرنسيين بواسطة (الجيش الإسلامي في العراق) يقدم لنا فرصة إضافية لتبني نهج جديد في مقاومة الإرهاب. فتلك الجماعة حاولت في البداية ابتزاز الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وإجباره على إلغاء قرار حظر ارتداء الملابس، التي تحمل مدلولا دينياً في المدارس الحكومية الفرنسية، ولكن تلك المحاولة قوبلت بشبة إدانة جماعية من كافة أرجاء العالم الإسلامي. وحتى منظمة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني ظلا ثابتين على موقفها في شجب عملية اختطاف الرهائن، ليس بدافع الحب لفرنسا ، ولكن لأنهم يعرفون أن هذا الاختطاف سوف يثير فتنة.
لقد اعتقد (الجيش الإسلامي في العراق) أن لديه استراتيجية تضمن له ا