على لجان التحقيقات المستقلة، أن تلتزم بالصفة التي تنشأ بموجبها، أي أن تكون مستقلة وباحثة عن الحقيقة لا أكثر. غير أن لجنة التحقيق في هجمات11 سبتمبر لم تكن مستقلة ولا باحثة عن الحقيقة. فهي لم تلق باللوم على أحد تقريباً، على رغم وجود أدلة دامغة على فشل البعض في أداء مسؤولياته، وفيما أبدته اللجنة من عدم نزاهة إزاء المهمة التي كلفت بها، فهي قد تصرفت كما لو كانت مجموعة من السياسيين أصحاب المصلحة. وبسبب إخفاقها في تحميل كل من بوش وتشيني وغيرهما المسؤولية عن تضليلهم البلاد بأسرها، وتوريطها في حرب العراق، فقد فشل أعضاء لجنة التحقيق في إجراء التحقيق الذي كلفوا به. بدلا من ذلك، فقد ركن أعضاء اللجنة إلى الواجب السهل الذي لا يعرضهم للمشاكل، ألا وهو جمع المعلومات وإعدادها.
فقد كانت الحجة الرئيسية التي اعتمدت عليها إدارة بوش في تبرير حربها على العراق، هي حصول العراق على أسلحة الدمار الشامل، علاوة على وجود صلة ما، تربطه بتنظيم القاعدة ومن ثم بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد توصلت اللجنة إلى حقيقة أنه لا توجد أية صلة تربط بين العراق وتنظيم القاعدة. وجاء على حد تقرير اللجنة: إننا لم نعثر على أية أدلة موثوق بها، تؤكد وجود تعاون بين العراق وتنظيم القاعدة، في شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وفي الواقع، وعلى رغم أن أسامة بن لادن ربما يكون قد بذل بعض المساعي للحصول على دعم العراق، إلا أن هذا الأخير، لم يبد أية رغبة في علاقة كهذه.
وفي استجابتهما لهذه الحقائق التي توصلت إليها لجنة التحقيق، كان كل من بوش ونائبه تشيني كما الصوت والصدى، كلاً للآخر. فقد قال بوش: إن السبب الذي يدعوني للإصرار على القول بوجود صلة ما بين العراق وصدام حسين وتنظيم القاعدة، هو وجود علاقة سابقة بين العراق والقاعدة. أما ديك تشيني، فلم يعترف مطلقاً بما توصلت إليه لجنة التحقيقات، مؤكداً وجود أدلة دامغة على مثل هذه الصلة، إلا أنه لم يفصح عن أي منها. ومضى تشيني لإلقاء اللوم على الصحافة، التي يعتقد أنها شوهت تصريحاته حول هذا الأمر. أما أعضاء لجنة التحقيق، فلم يوجهوا سؤالا واحداً للرئيس بوش، حول الأسباب التي دفعته للبدء في الاستعداد لغزو العراق، بعد مضي عشرة أيام فحسب من وقوع هجمات 11 سبتمبر. وفي الوقت ذاته، فإن اللجنة لم تحقق مع نائب الرئيس ديك تشيني، الذي وصفه بوب وودورد بأنه كان عازماً على فعل أي شيء، في سبيل تضليل الشعب الأميركي وكسب تأييده لشن الحرب على العراق.
أما التضليل الوحيد الذي وقفت عنده لجنة التحقيق، فلا صلة له بالرئيس بوش ولا نائبه تشيني، إنما أكدت اللجنة ذلك التضليل الذي نسبته إلى "الخدمات الاستخباراتية الخاصة ببعض الدول، وتقارير الطرف الثالث الأمر الذي زاد من احتمال حدوث تضليل في السياسات الأميركية نفسها، من قبل دوائر ومصالح أجنبية". وليس مستبعداً أن تكون لجنة التحقيق قد كتبت هذا، وفي ذهنها أجهزة الاستخبارات الإيرانية والإسرائيلية. بيد أن اللجنة ألقت باللوم على وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بسبب تعويلها واعتمادها أكثر مما يجب، على تقارير ومعلومات مخبري الطرف الثالث. ومهما يكن فإن الذين حثوا مخبري الطرف الثالث هؤلاء، على المضي فيما مضوا إليه، ليسوا سوى مسؤولين رفيعي المستوى داخل الإدارة الأميركية نفسها.
وكان على اللجنة أن تستدعي مسؤولين من أمثال بول وولفوفيتز وسكوتر ليبي، ودوجلاس فيث - وكيل وزارة الدفاع، بغرض توضيح دوافعهم الموالية لإصرار إسرائيل على تضخيم الخطر العراقي على الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية ومنطقة الشرق الأوسط. لكن وبسبب القرار الذي اتخذته اللجنة، بعدم تحميل مسؤولين بعينهم مسؤولية المأساة الرهيبة التي وقعت في11 سبتمبر، والمنحى الذي اتخذته السياسات الأميركية في الاستجابة لها، تكون اللجنة قد حرمت الشعب الأميركي من حقه الديمقراطي، في معرفة ما إذا كان رئيسه قد أدى مسؤوليته على نحو أمين ونزيه كما ينبغي أم لا؟ ولحق المعرفة هذا، أهمية كبيرة في هذه الظروف الراهنة التي يطالب فيها الناخبون الأميركيون باتخاذ قرار حول تأييدهم للرئيس بوش أم إدارة ظهورهم له، سيما وأن في تصويتهم له، تفويضاً بأن يحكم البلاد بالإنابة عنهم. وفي فشل اللجنة في تحديد المسؤولية، إخفاق في مسؤوليتها هي، وفي التوازن والرقابة اللازمين. إنه لفشل ديمقراطي.