من منكم لم يرَ ملاك خالد؟... فتاة عشرينية، أضربت هي الأخرى عن الطعام تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين. ملاك فتاة لبنانية وهي ورفقاؤها وعدد لا يستهان به من البشر، اعتصموا في خيمة الأمعاء الخاوية وتحدثت ملاك!
كأنها تتحدث بصوت لبنان القديم والمتجدد دائماً، كانت تنادي بالحياة وبإرادة البقاء الشريف. وعندما سألها المذيع من أنت؟ قالت: أنا عربية! ألا يبدو أنه حديث ستيني متزامن مع حركات التحرر السياسي في ظل فورات الاستقلال الحر والمدّ القومي الألِق. ملاك هي صورة لبنان الحقيقية!
فلبنان ليس وطن الجميلات الغانيات المتبرجات، وليس موطن عمليات الشدّ والمطّ وتغيير اللوك، وليس وطناً متحرراً من القيم والمبادئ الجميلة، وليس قنوات فضائية فجة لا تعترف إلا بقلة الذوق والانبهار الفارغ بغرب استهلاكي خاوي العمق والمعنى. فمن لا يعرف لبنان عليه أن يصمت ويتعلم من ملاك.
أول النزعات الأدبية العملاقة قدمت من لبنان، كان الشاعر إذا بحث عن شهرة يستحقها ذهب إلى محرقة الأدب في لبنان لينضج جلده ويكون شاعراً حقاً، وأول من علم الشرق الترجمة والثقافة كان لبنان، وأول من نهض من كبوة الاستقلال الذي مارسته دول الغرب ضدنا بكبرياء كان لبنان.
كان بلدا ًجميلاً وما زال، لولا تلك الحرب القبيحة التي أودت بشرف النضال في مهاوي الردى، وتركت الغثاء يرتع كيف يشاء، فحالما انجلت سماء بيروت، اصطاد نهازو الفرص الفضاء، وباعوا سمعة وطن شريف بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين.
فليس الجنوب وحده موطناً رجولياً محضاً، إنه وطن راهن عليه الشرفاء ليبقى وليعيش -رغم كل مغريات الفساد والسقوط- حراً كعصفور لا يعترف إلا بالحرية بيتاً وسكناً.
وملاك دليل مبهج على أن لبنان ما زال حراً، يتنفس كبرياء الأمة ويمارس عيشاً مختلفاً ممتلئاً بملذات الكرامة العربية والتواطؤ مع كل ما يمكن أن يطلق عليه بشعارات يتهمها البعض من حارقي البخور بأنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
عندما تحدثت ملاك خجل البقية من كل هذا العنفوان، وتجلت صورة لبنان حين تكون خيمة كتلك التي أضرب فيها الكثيرون تضامناً مع أسرى منسيين لا يعبأ بهم العالم، لأن السجان ببساطة متناهية أكبر مِن أن يحاكم!.
ملاك خالد واحدة من مئات، و"نانسي" و"أليسا" أشكال لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولأن المؤامرة مستمرة ضد هذا الوطن الجميل، فلا يظهر في الصورة إلا صاحبات الصوت الأجش. والجميلات مثيلات ملاك ليس لهن إلا الصمود ورفض هذا التسويق الرخيص لصورة وطن عظيم أكبر من أن يوصف على فضائية تافهة لا تعني أحداً إلا من كان مثلها وهم القليل رغم كل شيء.