قبل ما يقارب الثلاث سنوات من الآن تقريبا، وعلى إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، كنت قد بدأت كتابة عمود صحفي، مرتين في الأسبوع، في القسم الخاص بالشؤون العسكرية والحرب على الإرهاب، من صفحات الرأي. ولما كان هذا هو العمود الأخير من تلك السلسلة، بينما لا تزال الحرب على الإرهاب تستعر وتسيطر على عقول الناس، بل على مجرى العملية الانتخابية برمتها، فقد رأيت أنه من المفيد أن ننظر قليلا إلى الوراء، كي نرى ما تعلمناه من تلك التجربة. ويقينا فإن المقصود من تأمل الماضي والنظر إليه، هو تحسين مستوى وضوح رؤيتنا للمستقبل. والفشل في التعلم من الماضي، لا يعني أننا سنظل حبيسي لعنة تكراره، كما أوضح الفيلسوف جورج سانتيانا منذ وقت بعيد. إنما يجعل ذلك الفشل، مسيرتنا نحو المستقبل، أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد. مع وضع هذا الاعتبار في أذهاننا، فهاكم إذن، خمسة دروس، أرى ضرورة تعلمها، ونحن نتطلع نحو المستقبل. يذكر أن هذه الدروس الخمسة، قد استقيت جميعها من تجربتنا الأخيرة التي امتدت لثلاث سنوات من الآن.
أول هذه الدروس، أن نتعلم الحذر من "الشيء الكبير التالي". وقد كان هذا الشيء فيما مضى، القوات الأميركية الخاصة، سيما وأن الرئيس بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، قد قفزا مباشرة إلى تبني العمليات الخاصة في الحرب الأفغانية، كما توقعا لها أن تلعب دورا يعول عليه، في الحملة ضد الجماعات المتشددة في العراق. وفي بادئ الأمر، بدت روح المقاتل الياباني "الساموراي" بمثابة تجسيد لتحولات المؤسسة العسكرية في القرن الحادي والعشرين. ولكن لطالما تضاربت دعوة " لنقدمهم أمام العدالة" التي تفوه بها الرئيس بوش، مع ظلال الشبهة التي ألقت بها أخلاقية اللا قانون، التي تعمل وفقا لها القوات الخاصة! غير أن استراتيجية العمليات الخاصة، إنما هي في الأساس تكتيك من ذلك الطراز الذي تطبقه فرق "الأسلحة والتكتيكات الخاصة".
وفقا لهذا التكتيك، فإنه غالبا ما يتم إرسال مجموعة من القوات الخاصة عالية المهارة والتدريب العسكريين، بغية مداهمة العدو في مخابئه، وتمشيط المكان الذي يقيم فيه من كل شيء. ويلائم هذا التكتيك أكثر قوات الشرطة- وليس قوات الجيش- لكون المجرمين عادة ما يختبئون في مكان ما. ومع ذلك، فإنه يصعب بالطبع تطويق مدينة بأسرها، أو دولة بكاملها على أية حال. لذا فإننا وفي اللحظة التي تتمكن فيها قواتنا المسلحة الخاصة، من اقتحام أبواب أحد البيوت المشتبه بوجود الإرهابيين فيها، فإننا نفلتهم غالبا، لكونهم يفلحون في معظم الأحيان، في مغادرة المكان الذي يتوقع فيه وقوع المداهمة. بل على الأرجح، ألا يتواجدوا أصلا في المكان أو العنوان المستهدف. ولنا في لهاثنا بلا طائل حتى هذه اللحظة، وراء أسامة بن لادن ورفيقه الملا محمد عمر، خير درس وعظة لنا في هذا التكتيك.
ثانيا: ربما يكون ما لا تعلمه سيئا، ولكن ليس مستبعدا أن يكون ما تعلمه أكثر سوءا. وخير مثال على هذا، تشبث مسؤولي الإدارة بإصرارهم على صحة المعلومات الموثوقة -كما يصفونها- عن حصول صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل. ومما لا شك فيه أن للأجهزة الاستخباراتية والأمنية جوانب قصورها ونقائصها. وقد تساهل كبار مسؤوليها في الانضمام لمتلازمات الخلل العام، التي ظللت تحليلاتهم للمعلومات الاستخباراتية التي تجمعت لديهم، بظلال ونوايا الأفكار والقرارات المسبقة لكبار مسؤولي الإدارة السياسية. غير أن الوصول إلى الحقيقة لم يكن أمرا صعبا حتى في ظل تلك الظروف نفسها. فقبل وقوع الحرب بأسبوعين، كنت قد كتبت مقالا قلت فيه إنه لا توجد أية أدلة استخباراتية دامغة على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وتظل تلك العبارة غير قابلة للمراجعة أو النقض الآن. وما يؤكد صحة المعلومات الاستخباراتية، وما قلته أنا في ذلك المقال، هو حقيقة الخطة الحربية الخاصة بحرب العراق الأخيرة نفسها. ففي تلك الخطة، لم يكن هناك أي دليل يشير إلى احتواء قوائمها على أهداف نووية أو كيماوية.
ثالثا: أن نكون أقل تشككا تجاه من لديهم المعلومات والأخبار الداخلية وخفايا الأمور. أذكر بهذه المناسبة، أن عددا من العسكريين ممن كانوا على حد أدنى من العلم والإلمام بخفايا الأمور، كانوا أكثر صدقا وأمانة من مسؤولين كبار، عندما تكشفت الحقائق أمام عيونهم. فقد أخبرني هؤلاء أنه لا يوجد هناك أدنى دليل قاطع، على حصول صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل المنسوبة له. وأذكر بالمناسبة ذاتها أيضا، أن رامسفيلد وفريقه، ما كانوا ليصغون إلا للأصوات التي تردد صدى فكرتهم ونواياهم هم إزاء العراق.
رابعا: ليس من الجيد إطلاقا، تغيير استراتيجية بعيدة المدى، على أساس ظروف عارضة ومؤقتة. ففي شهر مارس من عام 2002، تسنى لي الاضطلاع على معلومات مصنفة تخص مراجعة إدارة بوش لموقف الأسلحة النووية في التخطيط الدفاعي الأميركي. وكان القرار الذي أصدرته إدارة بوش، هو زيادة دور الأسلحة النووية في الخطط الحربية المستقبلية، مما يرجح احتمال استخدامها. وقتها كانت –