تعرض العالم هذا العام لسلسلة من الكوارث الرهيبة، بعضها من صنع الإنسان والبعض الآخر من صنع الطبيعة. ففي العديد من مناطق العالم، شكلت الحروب والمذابح، والتهجير الجماعي الواسع، والدمار المادي الهائل، جزءاً كبيراً من الشقاء الإنساني في حين تكفلت الزلازل، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، والأعاصير والحرائق الهائلة وغيرها من الكوارث الطبيعية بالجزء الباقي.
وفي إطار سعيهم، لفهم أسباب الكوارث الطبيعية، يشير العلماء المختصون بشكل متزايد إلى التأثيرات المفزعة لظاهرة التسخين الحراري والتغير المناخي، واللذين تسببت فيهما الانبعاثات غير المتحكم فيها لغاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات السامة.
ومثلما تباطأت بعض الدول، وخصوصاً جنوب أفريقيا والصين في التعرف على التأثير المدمر لمرض "الإيدز" على مجتمعاتها، فإن ثمة دولا أخرى رفضت الاعتراف بمسؤولياتها عن التغير المناخي أو الحد من استهلاكها من النفط، ومنها الولايات المتحدة التي تستهلك ربع الإنتاج العالمي من النفط، والتي يشير إليها الكثيرون باعتبارها المتهم الأول في التغيير المناخي في العالم.
وفي الوقت الراهن، أضيفت إلى هذه الكوارث التي صنعها الإنسان، وتلك التي صنعتها الطبيعة كارثة جديدة هي انتشار الجراد بشكل وبائي لا يقل عن ذلك الذي جاء ذكره في التوراة، والذي أدى إلى تدمير مصر منذ 3500 عام ، والذي يهدد الأمن الغذائي في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. ويتخذ هذا الجراد الذي انتشر على شكل موجات هائلة في شمال أفريقيا العام الماضي طريقه إلى الجنوب في الوقت الحالي. ويذكر أن دولا مثل موريتانيا، والسنغال، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد والتي تعد من ضمن أفقر الدول في العالم، تخوض الآن حرباً ضارية ضد أسراب الجراد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محاصيلها ومراعيها.
وهذه الدول في حاجة ماسة للمساعدات المالية والفنية من العالم الخارجي وخصوصاً في مجال توفير المبيدات الحشرية ووسائل رشها. وفي المرة الأخيرة الذي حدث فيها غزو للجراد 1987-1989- ساهمت الولايات المتحدة، وأوروبا، وكندا واليابان بمبالغ تزيد على 300 مليون دولار أميركي لمقاومة الوباء. أما المساعدات المالية الحالية فهي شحيحة للغاية.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، إن الوقاية هي أفضل استراتيجية لمواجهة هذا الوباء. وتشمل الوقاية مراقبة مناطق توالد الجراد الصحراوي، وخصوصاً عقب سقوط الأمطار الغزيرة، التي توفر الظروف الملائمة لنموه وانتشاره. والمناطق الرئيسية التي يتعين مراقبتها توجد في موريتانيا، ومالي، وشمال النيجر، وجنوب الجزائر، وضفتي البحر الأحمر، ومنطقة الحدود بين الهند وباكستان. والإجراء الذي يفترض حدوثه عند وصول تعداد الجراد في هذه المناطق إلى معدلات حرجة هو القضاء عليه، قبل أن يتكاثر على هيئة أسراب، تقوم بمهاجمة المناطق الزراعية.
وكان آخر غزو جراد كبير قد استمر لمدة عشرين عاماً قبل أن يتم التحكم فيه بشكل نهائي عام 1963. وفي الفترة من 1987-1989، تعرضت أفريقيا إلى غزو آخر في المناطق القريبة من البحر الأحمر. ولكن هذا الغزو هو الآخر، وضع تحت السيطرة بعد 12 شهراً من المكافحة. وفي عام 1997، تعرضت مدغشقر إلى هجوم بواسطة أسراب الجراد، استلزم الأمر ثلاث سنوات حتى تم احتواؤه.
ويمكن القول إن استراتيجيات مكافحة غزو أسراب الجراد من بداية الستينيات وفيما بعد ذلك قد حققت نجاحاً لا بأس به. وفي الفترات الفاصلة بين حدوث موجات غزو لأسراب الجراد، يلجأ الجراد إلى بيئاته الطبيعية في المناطق القاحلة، حيث يمكنه الإفلات من المراقبة والاكتشاف لعدة سنوات قبل أن يأتي موسم أمطار استثنائي يدفعه للتكاثر بشراسة مرة أخرى.
ولكن المشكلة الآن هي أن استراتيجية الوقاية المتبعة لمواجهة غزو الجراد قد أخفقت على مدار العام الماضي. ويقول الخبراء إن الدول التي ابتليت بوباء الجراد كان يمكنها الحيلولة دون حدوثه، لو أنها قامت في خريف عام 2003 بالقضاء عليه قبل أن ينتشر على هذا النحو الكارثي. ولكن هذه الدول كانت في حاجة في ذلك الوقت إلى 70 مليون جنيه إسترليني من المجتمع الدولي، كي تقوم بهذه الخطوة، ولكن المجتمع الدولي لم يقدم سوى مساعدات ضئيلة للغاية، ومتأخرة كثيراً عن أوانها. وكانت النتيجة المحتمة هي أن تلك الدول لم تتمكن من القيام بما كان يتوجب عليها في هذا الشأن، مما أدى إلى تفاقم المشكلة، وتحولها إلى أزمة خرجت الآن عن نطاق السيطرة.
ويذكر في هذا السياق أن سرب الجراد الذي يبلغ تعداده خمسة ملايين جرادة يمكن أن يغطي منطقة تبلغ مساحتها 100 كيلومتر مربع، كما يمكن لهذا السرب أن يطير لمسافة تصل إلى 100 كيلومتر أيضاً في يوم واحد ملتهماً كل شيء في طريقه. والضرر الأكبر يحدث أثناء الليل عندما يستقر الجراد على الأشجار والمزروعات، حيث تستطيع الجرادة الواحدة التهام كمية من الخضرة تعادل وزنها. والصور التي تم التقاطها لأسراب الجراد، تشير إلى أن تلك الأسراب ف