يوم الجمعة الماضي أدى المسلمون النيباليون الصلاة في بيوتهم بأمر من الحكومة التي فرضت حظراً للتجول في أنحاء متفرقة من البلاد لوقف أعمال العنف وحرق المساجد التي اندلعت إثر قتل العمال النيباليين في العراق. وفي نفس الوقت كانت الفضائيات تنقل المشاهد الدامية في أوسيتيا الشمالية بين القوات الروسية ومحتجزي طلاب مدرسة قيل إنهم إسلاميون. ومن العراق كانت المشاهد المعتادة و"الأخبار العاجلة" تتوالى. أما فرنسا فكانت وقتها تعيش حالة تعبئة شاملة لإنقاذ مواطنيها اللذين اختطفهما ما يسمى بـ"الجيش الإسلامي في العراق".
والقاسم المشترك بين كل هذه المشاهد، إلى جانب الدم، هو الزج باسم الإسلام والمسلمين فيما يشبه "حربنا ضد الكل" وعبر العالم أجمع، حتى لكأنّ المسلمين قد أصبحوا خصوماً لجميع شعوب هذا الكوكب، من أقصاه إلى أقصاه. أو أصبحوا غير قادرين على التعايش السلمي مع غيرهم من أبناء الأمم والأديان الأخرى. وهنا خطورة الموقف. فالإسلام يتعرض اليوم لعملية تشويه كبيرة من قبل بعض الجماعات المتأسلمة، والتي أثبتت أنها بعمليات خطف الصحفيين، وقتل العمال، واحتجاز الأطفال والتمترس بهم، واستعداء أقوى القوى العظمى، وأكثر الشعوب فقراً في الوقت نفسه، تستطيع أن تختطف صورة الإسلام المشرقة، وتربطه في العقول والأذهان بمشاهد الدم والإرهاب والعنف والقسوة من كل صنف ولون. وتستطيع أن تطمس أي وجه لعدالة قضايا كثيرة كانت تنال قبل أن ترتبط بحمامات الدماء الكثير من التعاطف، أو على الأقل التفهم عبر العالم.
إن نتيجة مثل هذه الأعمال الإرهابية واضحة اليوم للعيان، وهي تنفير العالم أجمع من دين العدل والحق والحرية. دين ضمن كرامة الإنسان وحقوقه، وأعلى من شأن الحفاظ على النفس الإنسانية. دين دعا إلى المحبة والحكمة والموعظة الحسنة والتعامل بالتي هي أحسن، حتى مع أشد الخصوم وأكثر الناس بعداً عن هديه المنير. دين يسعى الآن هؤلاء إلى تشويه صورته في أذهان العالم أجمع، من خلال تصرفات وأعمال قبيحة تلحق بسمعة المسلمين من الضرر ما عجزت جميع الأقلام والأصوات الغربية والصهيونية الموتورة عن تحقيقه على مدى عشرات السنين. فما الذي يريده أي حاقد على الإسلام، أو ساعٍ إلى تشويه صورته أكثر مما نراه الآن يتحقق على أيدي جماعات وعناصر تزعم جهادها تحت راية هذا الدين؟
صحيح أن تلك العناصر والجماعات الدموية التي أضرت بسمعتنا تبقى في النهاية مجرد استثناءات شاذة، إلا أن الأغلبية الصامتة من المسلمين ينبغي أن تنطلق من اليوم في عملية إنقاذ حقيقية يشارك فيها الجميع لتقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام، باعتباره دين سلام وأخوة ومحبة، لا دين عنف وإرهاب وتفجير.
إن على هذه الأغلبية الصامتة حتى الآن أن تستنقذ صورة دينها، وأن تقدمه إلى العالم أجمع على حقيقته الناصعة، وأن تفضح بكل الوسائل الممكنة محاولات قوى التطرف والإرهاب اختطافه وتشويهه. وقد رأينا كيف عبأت فرنسا كل إمكاناتها الرسمية والشعبية لإنقاذ حياة صحفيين اختطفا في العراق، فكيف لا نعبئ نحن وسائل إعلامنا العربية، وكل إمكانياتنا للدفاع عن سمعة وصورة ديننا الحنيف التي تتعرض اليوم لواحد من أقسى امتحانات التشويه؟