ظل تنوع الحياة البحرية، التي لم يتم الكشف عن معظمها بعد، يثير الكثير من دهشة وفضول الباحثين والعلماء، المولعين بالمعرفة والاستكشاف، مثلما هو حال الدكتورة "جانيت فويت"، الأمين المساعد للمتحف الميداني التابع لمتحف التاريخ الطبيعي بجامعة "شيكاغو". ومنذ عام 1943، وهو التاريخ الذي غاص فيه العالم "ويليام بيبي" لأول مرة في عمق مياه المحيط، بعد أن هبط إلى العمق من كرة معدنية مفرغة على بعد 932 متراً تحت السطح، ظلت مثل هذه الغواصات المأهولة وغير المأهولة، تأتي بالكشف العلمي الجديد إثر الآخر. ومع ذلك فإن مستوى البحوث العلمية الجارية في أعماق البحار والمحيطات، ليس في مستوى الطلب العلمي عليها. مؤخراً صدر تقريران علميان رئيسيان، استعرضا ملاحظات عديدة حول التوسع الكبير الذي شهدته البحوث والكشوف الجارية في أعماق المحيطات والبحار، خلال العام ونصف العام الماضيين. ويبدي بعض العلماء مشاعر القلق إزاء محدودية ونقص البحوث الأميركية الموجهة لأعماق المحيطات والبحار، قياساً إلى النشاط الكبير الملحوظ، الذي تبذله الدول الأخرى، التي اكتشفت أهمية مثل هذه البحوث، وتبدت أمامها كنوز البحار والمحيطات، وكونها مستودعات وسلال غذاء للعالم بأسره من ناحية، علاوة على أنها تمثل صيدلية المستقبل، ومصدراً مهماً لتصنيع الأدوية والعقاقير الطبية. كما توجهت الدول الأخرى بثقلها العلمي كله، إلى أعماق البحار والمحيطات، بعد أن تكشف لها أن تلك الأعماق تمثل بالوعة طبيعية محتملة لغاز ثاني أكسيد الكربون، الذي تخلفه الصناعات، والذي يؤخذ به على أنه المسؤول الأول، عن ظاهرة التغير المناخي، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وتعبيراً عن هذا القلق، قال الدكتور "بروس روبيسون"، الباحث الأول لدى معهد "مونتيري باي" لبحوث الأحواض السمكية الصناعية، في ولاية كاليفورنيا: نحن الآن أمام موقف حرج، يتطلب منا اتخاذ قرار إزاء جهودنا البحثية في هذا المجال الحيوي. ومضى مستطرداً في القول إن العلماء كانوا قد أكدوا قبل نحو 40 عاماً، ضرورة أن يكون هناك وجود بشري، وأجهزة للرقابة عن بعد، في أعماق مياه البحار والمحيطات. إلا أن الجهود العملية المفضية إلى تحقيق هذا الطموح قد تعطلت، نتيجة لعدم توفر آليات البحث العلمي في تلك المناطق، بحيث تكفي لتلبية حاجات كافة قطاعات الباحثين والعلماء في المجال. وأضاف قائلا إن هذه الفجوة، قد أحدثت أثراً سلبياً على تقدم وتطور البحوث البحرية على مدى عدة سنوات.
غير أن أحد الحلول المحتملة لهذه المشكلة التقنية، يوجد هنا اليوم فوق طاولة المؤتمرات، التابعة لمكتب العالم "روبرت برانز" في معهد "وودز هول" لبحوث علوم المحيطات والبحار بولاية "ماساشوستس". والمقصود بهذا الحل، جهاز للغوص العميق، تم تصميمه وتطويره حديثاً، من قبل المعهد المذكور أعلاه. ويتولى السيد "براونز" إدارة المشروع التقني الجديد، الساعي إلى سد الفجوة التقنية، التي أشار إليها زميله "بروس روبيسون" قبل قليل.
فقد صممت هذه الغواصة الكشفية البحرية، التي أطلق عليها اسم "آلفين البديلة"، تتويجاً لمناقشات عملية في أوساط الباحثين البحريين، امتدت لعدة عقود. وكانت كل المناقشات قد تمحورت حول كيفية تصميم جهاز للغوص البحري، بحيث يكون مزوداً بكافة ما يحتاجه العلماء والباحثون، من معدات وأجهزة للمراقبة والرصد والاستكشاف، شريطة أن يكون صغير الحجم من ناحية، ويدعم الحياة لأطول مدة زمنية، يتطلبها وجود المستكشفين تحت سطح الماء، من ناحية أخرى. وضمن تلك المشاورات، كان البعض قد اقترح استخدام نوع من الغواصات البحرية التابعة لسلاح البحرية الأميركية، بعد إجراء تعديلات فنية عليها، وتزويدها بما يحتاجه الباحثون البحريون. ولكن اتضح ولأسباب عملية، أن تلك الغواصات، ليست ملائمة مطلقاً لأغراض البحث العلمي التي يتطلع العلماء إلى تحقيقها.
صحيح أن تصميم الغواصة البحثية، قد أفاد من تصميم غواصة سلاح البحرية المقترحة للغرض نفسه، إلا أن الجديد في تصميم "آلفين البديلة"، أنه لبى مجموعة من المواصفات والمتطلبات الضرورية للغرض الذي صممت لأجله، فضلا عن تحديثها ورفع كفاءتها الاستكشافية. فبالإضافة إلى صغر حجمها، تتمتع "آلفين" الجديدة بخواص أخرى، من أهمها إمكانية اتصالها بالسفن، وسرعتها. ومن حيث الشكل، فإن أقرب شيء لوصفها، أن يتصور أحدنا قمرة مائية صغيرة، مزودة بثلاثة مقاعد لا أكثر، تتسع للقبطان، وعلى جانبيه اثنان من العلماء والباحثين. هذا وقد اتجه العلماء بالفعل إلى ولاية "أوريجون"، لمشاهدة أول إنزال للغواصة الجديدة، في رحلة تستهدف جمع المعلومات والعينات عن الحياة البحرية المجاورة لساحل "أوريجون"، في الأسبوع الماضي.
ومن ناحية درجة الحرارة المتوقعة للمركبة البحرية، فهي ستنخفض من حوالي 55 درجة فهرنهايت، في بداية انطلاق الرحلة من الساحل، إلى حوالي 37 درجة فهرنهايت في أعماق البحر. وقد زودت المركبة بنوافذ صغيرة، متداخلة مع بعضها بعضاً، بحيث تسمح بالرؤية والمشاه