يستحث الكونجرس الأميركي الخطى باتجاه إصدار تشريع، قائم على توصية المحكمة العليا الشهيرة، الخاصة بإصلاح وتكامل عمل الأجهزة الاستخباراتية، وفقاً لتقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولكن الشاهد هو أن الكونجرس، عادة ما يتخبط ويفسد الأمور، حين يصدر تشريعاته على عجل. ولا مناص من القول، إن أي قانون يعتد به في شأن إصلاح الأجهزة الاستخباراتية، ليس ممكناً إصداره في الشهر المقبل، بل السنة المقبلة. فوق ذلك، فإن توصيات لجنة التحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تقضي بتنصيب مدير قومي للاستخبارات، يتمتع بصلاحيات وسلطات فعلية، تمكنه من إدارة ميزانيته وموظفيه.
كان ذلك هو عين ما اعتقد البيت الأبيض، وإدارة الرئيس الأسبق ترومان، أنهما يحققانه، لحظة إنشاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية في عام 1947. وكان ذلك هو الشيء نفسه، الذي خطا باتجاهه الرئيس بوش الأسبوع الماضي، لدى إصداره أوامر تنفيذية، تنص صراحة، على توسيع صلاحيات وسلطات وكالة المخابرات المركزية الأميركية. ولكن الحقيقة هي أن القانون الأصلي الذي أنشئت بموجبه الوكالة، نص على تعيين مدير لها يتمتع بصفتين: أولاهما صفة مدير الوكالة، وثانيتهما صفة مدير المخابرات المركزية. ونتج عن هذا التشابه في مسمى الوظيفتين، الكثير من التشويش واللبس. ولذلك، فقد كان طبيعياً ألا يؤدي ذلك القانون الغرض الذي شرع من أجله.
علاوة على ذلك، فقد اتضح أن تلك الوظيفة المزدوجة المسؤوليات، كانت جسيمة وكبيرة جداً على مسؤول واحد، وهي أكبر من أن يتحمل أعباءها، خاصة وأن ذلك المسؤول يقضي الجزء الأعظم من وقته في إدارة مؤسسته الأم، وكالة المخابرات المركزية. كما أنه كان يفتقر أيضاً للسلطات والصلاحيات التي تخول له إدارة ميزانيات وموظفي كلتا الجهتين. ومنذ عام 1947، أضيف الكثير من الأقسام والوحدات والفروع، وانضم عشرات الآلاف من الموظفين الجدد، إلى العمل في الأجهزة الاستخباراتية. ففي عام 1952، أنشأ الرئيس ترومان وكالة الاستخبارات القومية، بوزارة الدفاع، بغية فرض نوع من المركزية على أنشطة فك الشفرة الحكومية، وأنشطة إعداد الشفرات الحكومية. ولا شك أن هذه الوكالة الأخيرة، تعد الأكبر والأوسع بين كافة الأجهزة والوكالات العاملة في الوسط الاستخباراتي، وتكاد تعادل حجم وكالة المخابرات المركزية، بعشرة أمثال حجمها الحالي تقريباً.
وفي عام 1960، وإثر إسقاط السوفيت، لطائرة التجسس الأميركية U-2 أنشأ الرئيس إيزنهاور مكتب الاستطلاعات القومي، الذي أنيطت به مهمة تطوير وتشغيل الأقمار الاصطناعية التجسسية. وفي عام 1961، أنشأ روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي وقتئذ، وكالة الاستخبارات الدفاعية، ظناً منه أنها ستساعد في مركزة كافة الوحدات الاستخباراتية التابعة لوزارة الدفاع. ولكن ما حدث هو أنها أضافت عبئاً بيروقراطياً جديداً، على الأعباء البيروقراطية القائمة أصلا. ونتيجة لتلك القرارات وغيرها، فقد بلغ عدد الأجهزة والوكالات الاستخباراتية العاملة بالبلاد، 15 وكالة وجهازاً. وعلى رغم السرية التي تحيط بميزانيات هذه الأجهزة، إلا أن الاعتقاد الواسع، أن إجماليها يصل إلى 40 مليار دولار.
إلى هنا نقول إن العقبة الرئيسية التي تحول دون تنفيذ توصيات لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، هي ذات طابع إداري بيروقراطي في الأساس، سواء كان ذلك بالنسبة للأجهزة الاستخباراتية نفسها، أم للكونجرس، علماً بأن أي واحد من تلك الأجهزة يعتد بدوره وأهميته بنفسه. فالمعروف عن اللجان التابعة للكونجرس، أنها تدافع بقوة عن الاختصاصات المخولة لها، ومن ثم تتمسك بالصلاحيات المخولة للأجهزة التابعة لها بنفس القدر. وأهم هذه اللجان، لجان الخدمات المسلحة، بسبب أن لوزارة الدفاع، نصيب الأسد من الأجهزة، ولكونها تفرض سيطرتها على ما يصل إلى حوالي 85 في المئة من ميزانية الأجهزة الاستخباراتية. وعلى صعيد آخر، تشعر وزارة العدل، الشعور ذاته، إزاء مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لها. كذلك الشيء نفسه بالنسبة للجان الاستخباراتية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية.
إنه لمؤشر جيد، أن تتفق الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، على تعيين 22 عضواً من أعضاء المجلس، للنظر في صيغة تتم من خلالها، معالجة اختصاصات وصلاحيات مختلف اللجان الاستخباراتية. كما يعد مؤشراً جيداً آخر، أن بادر بارت روبرتس، رئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، بتقديم مشروع قانون، من شأنه تحقيق معظم التوصيات التي جاء بها تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر. فمن بين مقترحات السيد روبرتس، تقسيم وكالة المخابرات المركزية، إلى ثلاثة أقسام، هي قسم جمع المعلومات الاستخباراتية، وقسم التحليل، وقسم الخدمات الفنية. على أن تعمل هذه الأقسام الثلاثة، تحت إشراف وإدارة مدير الاستخبارات القومية.
ومما لا شك فيه أن كافة هذه المقترحات والقضايا، تمثل مادة جيدة لجلسات سماع الكونجرس، على ألا يقتصر حضورها والمشاركة فيها، على الأجهزة ال