كانت الأيام العديدة الماضية، عصيبة جداً على روسيا. ففي الرابع والعشرين من الشهر الماضي، تحطمت طائرتان من طائراتها، في حادث يبدو واضحاً أنه وقع بتدبير وتنفيذ، إرهابيين مزودين بالمتفجرات. وفي الثلاثاء الماضي، فجرت إحدى أرامل الحرب الشيشانية ممن يعرفن باسم "الأرامل السود"، نفسها في محطة لمترو الأنفاق بالمدينة، مخلفة معها تسعة من القتلى، ممن كانوا في موقع الانفجار. أما الحادث الثالث الذي وقع خلال المدة ذاتها، فهو الأشد عنفاً. ففي مدينة بسلان، الواقعة جنوبي جمهورية أوسيتيا، تمكنت مجموعة مكونة من خمسة عشر من أفراد العصابات المسلحين، من السيطرة على مدرسة، يوجد بها ما لا يقل عن 300 فرد، معظمهم من الأطفال، بينما تناقلت الأنباء مصرع ثمانية من الرهائن المحتجزين على الأقل. في الوقت ذاته، هدد أفراد العصابة بقتل 50 طفلا، مقابل كل فرد يقتل من أفرادها، و20 آخرين، مقابل إصابة أي فرد من أفرادها، في أية عملية تقوم بها قوات الجيش الروسي، تستهدف إنقاذ حياة الرهائن المحتجزين. وما هذه الأرقام البربرية الدموية المعلنة، سوى شهادة أخرى على الارتفاع المستمر، لعدد ضحايا الحرب الشيشانية.
صحيح أن عناوين الأخبار الرئيسية في الصحف اليومية، تسلط الضوء على الجرائم الإرهابية المروعة التي ترتكبها المجموعات الشيشانية والإسلامية، ذات الارتباط بمجموعة أخرى غير شيشانية ،هي كتائب الإسلامبولي- التي نسبت إليها مجموعة من المشاركين في اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في مصر عام 1981. وقد ادعت هذه المجموعة الأخيرة مسؤوليتها عن نسف الطائرتين الروسيتين، وكذلك عملية التفجير التي وقعت في محطة مترو الأنفاق. ولكن ما لا تسلط الصحف اليومية الضوء عليه هو الأفعال الوحشية اليومية، التي ترتكبها قوات الجيشين الروسي والشيشاني.
فقد دأبت حملات المداهمة المتقطعة التي تنفذها قوات الجيش، على اختطاف الشباب الذكور من الضواحي والقرى العديدة، لا لشيء سوى أنهم في العمر المناسب للانضمام إلى المقاومة الشيشانية. وقد أصبح مألوفاً أن يختفي الكثيرون من هؤلاء، ولا يظهر لهم أي أثر مطلقاً، ثم يعثر لاحقاً على جثثهم مدفونة أو ملقاة في مكان ما، فتكشف عن مدى قسوة التعذيب الذي تعرضوا له، أو حتى عن إعدامهم. أما الذين تكتب لهم النجاة، فيوضعون في معتقلات خاصة بتصفية المشتبه بهم، ثم يلقى بهم في نهاية المطاف، إلى داخل أقبية مظلمة رطبة، حيث يأكلون ويشربون ويتغوطون كما تفعل الحيوانات! إلى ذلك تذهب تقارير منظمات حقوق الإنسان، إلى القول إن الاغتصاب، يظل أحد الأسلحة الرئيسية في الحرب الوحشية الروسية، التي تكاد لا تأبه فيها العمليات العسكرية بحياة وسلامة المدنيين.
ولكن المؤكد هو أن كلا الطرفين خاسر في هذه الحرب. ورغم تبجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بفرض حكومته سيطرتها ونفوذها على المقاومة الشيشانية، إلا أن الواقع هو أن حال أداء حكومته الراهنة في هذا الجانب، ليس بأفضل مما كان عليه الوضع لحظة شنه تلك الحرب في عام 1999. يذكر أن الرئيس السابق بوريس يلتسين، كان قد بعث بقواته إلى جمهورية الشيشان في عام 1994، إلا أنه اضطر لسحبها أمام شراسة وضراوة المقاومة الشيشانية، وكذلك بفعل المعارضة الشعبية الواسعة التي ووجهت بها تلك الخطوة من قبل الروس. والواضح الآن، أنه لا يزال أمام عشرات الآلاف من الجنود الروس الاستمرار إلى أجل غير مسمى، في خوض تلك الحرب ضد المقاومة الشيشانية الضروس، بينما سيسقط صرعاها الكثيرون جداً من بين صفوف المدنيين والعسكريين الروس والشيشان على حد سواء. وهكذا تستمر دوامة العنف، إلى أمد مفتوح.
ولن يخفف من غلواء هذه المواجهة العسكرية، فوز الجنرال علو ألخانوف، وزير الداخلية السابق، بالمنصب الرئاسي خلال الانتخابات العامة التي جرت مؤخراً في الشيشان. ذلك أن المقاومة الشيشانية، تنظر إلى ألخانوف، نظرتها ذاتها لسلفه السابق أحمد قادروف، الذي تعتبره عميلا ومتواطئاً مع السلطات المركزية في روسيا. كان قادروف قد لقي مصرعه في انفجار قنبلة في شهر مايو الماضي، إثر انتخابه في أكتوبر من العام قبل الماضي. ومثلما فعل قادروف، فما من حكومة شيشانية يستطيع ألخانوف ترؤسها، دون حماية عسكرية لنظامه من قبل قوات الجيش الروسي. وفوق ذلك كله، فإن الانتخابات التي أتت بألخانوف، لم تكن نظيفة ولا نزيهة هي الأخرى. فقد أشارت التقارير، إلى حدوث الكثير من التجاوزات، علاوة على مقاطعة واسعة لقيتها من قبل المواطنين الشيشان، الذين أبدوا تأففهم واشمئزازهم منها. ويشار هنا إلى أن التقارير الصادرة في موسكو، أوردت إحصائية عن إقبال الناخبين الشيشان على صناديق الاقتراع، بلغت نسبتها 76 في المئة.
ليست الحكومة وحدها هي الخاسرة، و إنما ينطبق الأمر على المعارضة نفسها، إذ ليست هي الأخرى بقريبة من الفوز بأية حال. فقد حولت معاركها ضد الروس، جمهورية الشيشان إلى مقبرة شاسعة المساحة. ثم ليست هناك أية دلائل، تشير إلى احتمال انسحاب الرئيس الروسي