في مقال الأسبوع الماضي تطرقت إلى الأسبوع الأول من حياة الطالب في الجامعة، وأهمية التأكد من أن جامعته التي يدرس فيها من الجامعات المعتمدة، وعرجنا على الاختلاف في طرق التعلم بين الجامعة والمدرسة. أما هذا الأسبوع فهو الأول للالتقاء بين الطلبة وأساتذتهم في التعليم العالي مما شدني إلى الحديث من جديد عن التعليم العالي لكن من زوايا مختلفة.
فترة التعليم العالي تعد من أهم الفترات في حياة الإنسان في تصوري، فهو يبتعد رويدا عن فترة المراهقة ويتجه إلى مرحلة الشباب التي تقوده بدورها للرشد. إنها فترة خاصة وأهم ما فيها أن الإنسان يكتسب فيها عادات وسلوكيات وطبائع وصداقات تؤثر فيه بقية حياته. فمن منا ما زال متأثراً بفترة الطفولة ومن منا ما زالت تقوده عادات المدارس بعد انتهائه من المرحلة الجامعية. إنها مرحلة تؤثر بقوة فيما بعدها، فكثير من المثقفين والمفكرين والبارزين لو سألتهم أين ومتى بدأت معهم طفرة التميز وشرارة الثقافة والعلم لقال لك بكل اختصار: في الجامعة. إذاً لا ينبغي علينا التوقف كثيراً مع ما مضى، بل دعونا نفكر فيما هو آت، ولا يقلْ أحدكم لقد تطبعت على أشياء لا يمكن تجاوزها. مدارس علم النفس والتربية تقول لنا إن الإنسان ذا الإرادة قادر على تحقيق المستحيل، فإذا كانت هذه المرحلة من أهم الخطوات في حياتنا المستقبلية ألا ينبغي علينا أن نراجع فيها حساباتنا كي نجني في الختام ثمار الفترة التي نقضيها في التعليم العالي؟. فما هي أهم الأمور الواجب الانتباه لها؟.
من أول الأمور الواجب التجاوب معها في هذه المرحلة هو السؤال الذكي الذي يتلخص في جملتين صغيرتين هما: من أنا؟ وماذا أريد؟
ما هي أهدافك في الحياة؟ قد يضحك البعض من هذا التوجه الذي هو غير شائع في وطننا العربي. فنادراً ما تجد شاباً يعرف ماذا يريد. بل لم تكن هذه السلوكيات معروفة في الدول المتقدمة. ففي دراسة بريطانية طريفة سأل الباحث دفعة كاملة متخرجة من إحدى الجامعات عما إذا كانت لديهم أهداف محددة. كان عدد من أجاب بنعم من الدفعة لا يتجاوز 3% من مجموع الطلبة. وبعد مضي ما يقارب عشرين سنة بعد تخرج الدفعة تابعهم الباحث من جديد فوجد أن من أجاب بأن له أهدافاً محددة تميز في المجتمع وأصبح عضواً فاعلا ومؤثراً وسعيداً في حياته بينما عاشت بقية الدفعة معيشة الغثاء الذين تتحملهم دولهم أكثر مما يبذلون هم فيها. ومن هنا أوصي طلبة التعليم العالي بأن تكون لهم أهداف واضحة في الحياة، فبدون الهدف الواضح يعيش الإنسان هائماً على وجهه متعلقاً بالأمنيات وهي رأس أموال المفلسين كما تقول العرب.
بعد تحديد الهدف ينبغي على الطالب البحث عمن يعينه على تحقيق طموحاته. لذلك فالعاقل يتخير أصحابه في هذه المرحلة. فالصاحب ساحب كما يقول الحكماء، وبالقدر الذي يرتفع فيه أصحابك في طموحاتهم بالقدر الذي تنجح أنت. وقد أحسن الشاعر عندما قال :
فإن الباز للبازي قرين ويأبى أن يطير مع الغراب
نعم فلتكن همتك كالنسر المحلق في أعلى السماء، ولتكن طموحاتك أكبر من حدود الأرض، عندها تشعر بالسعادة والتميز. ومن الأمور المعينة على تحقيق الأهداف وجود خطة واضحة لحياتك فهي تمثل الخريطة لمن يمشي في الصحراء، فبدون التخطيط تضيع الأوقات ولا تتحقق المنجزات. أرأيت المهندس كيف يرسم أفكاره على الورق قبل أن يحققها على التراب، كذلك الإنسان الناجح له خطة واضحة تحدد مسيرة حياته كلها بما فيها من جد ولعب. ومن الأمور الواجب الانتباه لها في الحياة الجامعية، أهمية استثمار وجود الهيئة التدريسية المتخصصة من حول الطالب والذين تعلموا في الجامعات الراقية فهم مصدر للخبرة والمعرفة ينبغي استغلاله. وختاماً مما يعين الطلبة على التميز، النشاط الطلابي الذي يتمثل في النقابات الطلابية والجمعيات العلمية، فالنشاط الطلابي جامعة داخل مؤسسات التعليم العالي، يتعلم منه الإنسان الشيء الكثير.