تسيطر على المسافر العربي إلى الغرب الأوروبي أو الأميركي الصور السلبية عن المسلمين في هذه الأمصار، بحيث إنه لا يرى غيرها في هذا المجتمع الغربي. وقد اتصل بي قارئ ليقول إنه لا يحب ربط هذه الصورة السلبية بأحداث11 سبتمبر في واشنطن ونيويورك لأن جذورها دفينة، ودون العودة بعيداً إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى، فإن الحظر النفطي سنة 1973 مثلاً أشعل نار هذه الصور السلبية. ثم جاءت فتوى "الخميني" ضد "سلمان رشدي" وكذلك أزمة الرهائن الأميركيين في طهران ليستغلهما كل من له غرض خبيث لتلطيخ صورة المسلمين، وقد نجح الكثيرون في ذلك حتى في بعض الدول الأوروبية خاصة بعد أحداث القتل الجماعية في قطارات مدريد في أوائل مارس من هذا العام. وفي الواقع فقد فوجئت بقوة اللغة السلبية التي استخدمتها صحف مثل "التايمز"، "لوموند" أو "الديلي تلغراف" التي انزلقت من الهجوم على بعض المسلمين للهجوم أحياناً على الإسلام نفسه.
ومع ذلك فهناك تحركات أخرى على المستويين الحكومي والشعبي تعكس رغبة هذه المجتمعات الغربية -أو اضطرارها- للتعامل مع المسلمين كجزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات. المثل الأول يأتي من بريطانيا حيث يعيش ما بين 2-3 ملايين مسلم معظمهم من الآسيويين، في شهر يوليو تمت الموافقة على تأسيس بنك إسلامي، استجابة لطلب الغالبية من المسلمين الذين يعيشون في هذا البلد. وبالرغم من أن بعض دوائر المال وكذلك بعض أقطاب البنوك، حاولوا عرقلة هذا القرار إلا أن المسلمين البريطانيين لهم كل الحق في وضع أموالهم في بنك إسلامي يتبع التعاليم الإسلامية، ومعترف به قانونياً من قِبَل المؤسسات البريطانية الرسمية. وهذه النقطة الأخيرة مهمة لأنه حدث في الماضي وجود بعض البنوك في لندن نفسها حاولت استغلال اسم الإسلام في نشاطات مشبوهة وانتهت هذه البنوك بالإغلاق، ولذلك فإن من المهم هذه المرة أن ينجح هذا البنك الإسلامي في أعماله وأن يلتزم بقوانين الأداء الاقتصادي والمالي السليمين حتى يتبين للعامة والخاصة في المجتمع الغربي أن المسلمين قادرون على إدارة أمورهم بكفاءة.
المثال الثاني عن محاولة المجتمع الغربي التأقلم على وجود عدد كبير من المسلمين بداخله وإيجاد وسائل قانونية للمحافظة على هويتهم الإسلامية يأتينا من كندا، حيث يعيش حوالي مليون مسلم معظمهم من الآسيويين مع وجود عربي قوي يربو الآن على الثلث. ففي شهر أكتوبر الماضي عقد مندوبون عن مسلمي كندا مؤتمراً في أكبر المقاطعات الكندية "أنتاريو" وانتخبوا مجلساً من 30 عضواً ليقيم ما يسمى المعهد الإسلامي للقضاء المدني، أو ما نعرفه في القضاء الإسلامي على أنه دار القضاء. من المهم التأكيد على أن دار القضاء الإسلامي هذه تصدر الأحكام فقط، أما تنفيذ هذه الأحكام فيكون على أيدي السلطة القضائية والبوليسية الكندية. هناك شرط آخر مهم، ألا وهو أن يطبّق هذا القانون على المسلمين فقط، أي أن كل أطراف النزاع يجب أن يكونوا من المسلمين أو على الأقل يقبلون تطبيق هذا الدين وأحكامه.
كما قلت سابقاً تأخر إنشاء هذه المؤسسة الإسلامية كثيراً حوالي تسع سنوات، والسبب الرئيسي في انقضاء هذا الوقت ليس أساساً بطء السلطات الكندية، ولكن النقاش الحامي الذي دار داخل الجالية الإسلامية وأدى إلى انقسام أعضائها. فبالرغم من أن مؤتمر أكتوبر الذي أنشأ دار القضاء الإسلامي كان يضم التيارات الأساسية – من شيعة وسنة- داخل الجماعات الإسلامية، إلا أن النقاش استمر حتى بعد انتهاء المؤتمر واتخاذ القرار وتم نشره في الصحف الكندية.
استغلت بعض الصحف الصفراء انقسام المسلمين هذا لتثير بعض القضايا الشائكة أو الخلافية في قوانين الشريعة، وعما إذا كانت معايير المجتمع الكندي تقبل تطبيق مثل هذه القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان. مثل قوانين الميراث وأن الذكر له ضعف ما ترثه الأنثى، أو قطع يد السارق، أو رجْم الزاني المُحصن. وغير ذلك من موضوعات الإثارة والتي تختزل التعاليم الإسلامية في مثل هذه المبادئ التي قد تصدم القطاعات العريضة في المجتمع الكندي الذي لا يعرف كثيراً عن الإسلام وتاريخ حضارته.
نقطة مهمة يجب ذكرها في هذا السياق: ألا وهي موقف المجموعة اليهودية في كندا. فقد انقسمت هذه المجموعة: جزء منها انتهز الفرصة للنيل من الإسلام والمسلمين وترديد الاتهامات المعتادة عن "الإرهاب"، بينما رحّب جزء آخر من المجموعة بالقرار الكندي على أساس أنه يضع سابقة لتطبيق بعض التعاليم اليهودية الخاصة على أعضاء هذه الجالية. ويستمر هذا النقاش الحامي الوطيس داخل المجتمع الديمقراطي الكندي.