الشخصية الأدبية الأكثر شيوعاً التي يتم تشبيه جورج بوش بها عادة، هي الشخصية "الشكسبيرية" الأمير "هال"، الذي كان شاباً سكيراً، يحيا حياة بوهيمية، ثم أقلع بعد ذلك عن معاقرة الخمر، وأصلح من حاله، وتحول إلى محارب إنجليزي عظيم اسمه الملك "هنري الخامس".
لذلك، ونظراً إلى أن الجمهوريين يقومون حالياً- وللمرة الثانية- بتتويج جورج بوش كمرشح للرئاسة للسنوات الأربع التالية، فإنني قررت أن أسعى لتلقي دروس على أيدي شخص متخصص في الملك "هنري"، ويعتبر في نفس الوقت واحداً من أفضل محللي السياسة الأميركية الحالية وشؤونها الدولية، وأكثرهم ذكاء. هل تعرفون من هو ذلك الشخص؟ نعم... أنتم على حق... أنا فعلا أقصد "ويليام شكسبير".
لقد ذهبت إلى مدينة "أشلاند" حيث تعودت أن أحج سنوياً لحضور مهرجان شكسبير بولاية "أوريجون"، وبعد وصولي إلى هناك أخذت أفكر فيما كان شكسبير سيقوله لو أنه وقف خطيباً في مؤتمر الجمهوريين هذا الأسبوع.
إن الدرس الأساسي الذي يمكننا الخروج به في مسرحيات "شكسبير" هو أن العالم الذي نعيش فيه يحفل بالتفاصيل الصغيرة، والفروق الدقيقة بين الأشياء، وعناصر عدم اليقين، وأن القادة يقومون بتدمير أنفسهم عندما يبالغون في التصلب، والثقة بالنفس أو عندما- أرجو أن تعيرني أذنك هنا يا سيادة الرئيس- يبالغون إلى حد الانتشاء في تقدير قيمة ما يطلقون عليه الوضوح الأخلاقي.
ربما لاحظتم في هذه المسرحية ولع "شكسبير" بالتفاصيل الصغيرة من خلال الطريقة التي يقوم بها بتصوير شخصية الملك "هنري" الخامس نفسه، كما قد تلاحظون فيها أيضاً تلميحاته الفاضحة على اعتبار أن مسرحية "هنري" الخامس هي واحدة من أكثر مسرحيات شكسبير بذاءة، حيث تحفل بالتوريات الجنسية التي تجعل منها مدخلا جيداً إلى أدبه بالنسبة للكثير من المراهقين.
و"ويليام شكسبير" يعجب بالملك "هنري" الذي يعتبر- مثله في ذلك مثل بوش- رجلا قوياً، حاسماً، مسلياً، وبطلا يحقق النصر في معارك الخارجية بما يساعد على إزالة الشكوك المثارة حول شرعيته.
لذلك، وطيلة قرون عديدة، كان يتم النظر إلى مسرحية "هنري الخامس" باعتبارها مسرحية القصد منها الاحتفاء بغزوات الملك "هنري" لفرنسا، وهو تحديداً ما جعل "جورج برنارد شو"، والنقاد الليبراليين، ينفرون منها.
ومع ذلك، ومع بداية القرن العشرين، بدأ هؤلاء النقاد يكتشفون نصاً آخر فرعياً في مسرحية "هنري الخامس" وهذا النص يعرض وصفاً كاشفاً وجريئاً للغاية لفظائع الحروب والانتهاكات الحتمية التي لابد أن تحدث فيها، كما يصور أيضاً ما يمكننا أن نطلق عليه فضيحة "أبوغريب" القرن الخامس عشر، عندما قام الملك "هنري" بإصدار أوامره بإعدام الأسرى الفرنسيين في "أجينكور". ويمكن النظر إلى مسرحية "شكسبير"، على أنها تمثل إدانة للتعصب الأخرق للوطن عندما يقوم الحاكم الفرد بلف نفسه بعلم الوطن، متسبباً بذلك في الكثير من المعاناة والعذاب للآخرين. وفيما يلي نص ما كتبه "ويليام شكسبير" حول حروب الاختيار، أو الحروب التي يختار الحاكم من تلقاء نفسه أن يخوضها، والتي لا تكون مفروضة عليه: ... ولكن إذا لم تكن القضية عادلة، فإن الحاكم يجب أن يجري حسابات كثيرة ودقيقة، لأن تلك السيقان والأيدي والرؤوس التي قطعت في المعركة، سوف تتجمع معاً في يوم القيامة كي تبدأ في البكاء في صوت واحد قائلة:"لقد متنا في هذا المكان أو ذاك، البعض منا كان يسب ويلعن، والبعض الآخر كان يصرخ طلباً للطبيب، والبعض كان يبكي على زوجته الفقيرة التي تركها وحدها، أو يبكي لأنه لن يتمكن من سداد الديون التي يدين بها للآخرين، أو حزناً على أطفاله الذين تركهم دون عائل... إنني أخشى أن أقول إن معظم من يموتون في المعارك يموتون عبثاً".
ومن الدروس الأخرى التي يمكن لنا استخلاصها من أدب "شكسبير"- هذا إذا ما كان الرئيس بوش لديه وقت لقراءة هذا الأدب- حتمية وقوع أخطاء استخبارية. ففي كل مسرحية من مسرحياته تقريباً، نرى أن شخوص تلك المسرحيات، تصدق المعلومات التي ترد إليها، والتي يتبين فيما بعد أنها غير حقيقية إلى درجة كارثية: فالملك "لير" صدق كبرى بناته، و"روميو" صدق أن "جولييت" قد ماتت، و"عطيل" كان يظن أن "ياجو" كان يكذب عليه.
يبدأ شكسبير الجزء الثاني من مسرحية هنرى الخامس بشخصية "رومر"- التي يمكن أن يقوم بها اليوم أحمد الجلبي- الذي يبين كيف يتورط الملوك في المشكلات، عندما يعتمدون على الحقائق الجزئية، أو يتأثرون بالنفاق الذي يغدقه عليهم المتزلفون مثل "تينيت" و"وولفوفيتز".
"إن كل تلك الشخوص في مسرحيات شكسبير تعاني من الخيلاء الفارغ وهو نفس ما يعاني منه -دبليو- أيضا" هذا ما يقوله "كينيث إلبرز" الممثل "الشكسبيري" المخضرم، الذي يقوم حالياً بأداء شخصية الملك "لير" في المسرحية التي تعرض بهذا الاسم في مدينة "أشلاند".
وفي الحقيقة أن الشخص الوحيد الذي يبدو أنه يقدم فعلا النصيحة الصادقة لملوك مسرحيات شكسبير- هو "مهرج البلاط" أي ذلك الشخص الذي لا يمكن معاقبته لأنه ينط