ظهر بيننا اقتصاد جديد تتصل أركانه ببعضها بعضاً من خلال شبكات اتصال رقمية، وبموازاته تغيرت الطرق التي يعيش بها الأشخاص ويعملون ويتعلمون ويتفاعلون مع بعضهم بعضاً، ومن ثم ظهر مجتمع المعلومات الذي يقوم على المعرفة ويعتمد بنسبة متزايدة على الصناعات المعلوماتية؛ فما هي الثورة المعلوماتية؟ وكيف تجلت آثارها الاجتماعية؟ وما هي أسباب الفجوة التقنية ومؤشراتها؟ تلك هي أهم التساؤلات التي يحاول كتاب "مجتمع المعلومات الرقمي" لمؤلفه طارق محمود عباس، التطرق إليها في مساحة شملت سبعة فصول و162 صفحة، شارحاً بأسلوب سهل ومبسط مسائل تبدو معقدة من وجهة نظر الجمهور وغير المتخصصين.
فحوْل الثورة المعلوماتية التي برزت وعلا شأنها في النصف الثاني من القرن العشرين، يقول إنها تتمثل في ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعارف العملية والتقنية إضافة إلى ظهور وسائل وطرق متطورة لجمع وتخزين المعلومات، خاصة صناعة الحاسبات الرقمية التي مكنت من إدارة المعلومات وتوزيعها ومعالجتها بأساليب متقدمة، وشبكات الاتصال الإلكتروني التي قلصت حجم العالم وقاربت أطراف المعمورة، أي مجمل التطورات التي خلقت في هذا المجال ثورة لا سابق لها في التاريخ.
وأدت التطورات الهائلة للتقنيات الرقمية والنمو المطرد لحجم المعلومات، إلى بروز أنماط جديدة من المعاملات والنشاطات في مختلف أوجه الحياة: التعليم والتكوين والدعاية والترويج وأنشطة الإبداع العلمي والفني والأنشطة التجارية والمبادلات المالية. وكما تحول العالم بفضل الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال والمعلومات إلى قرية إلكترونية صغيرة، فإن هذه الثورة أثرت بشكل عميق في الفئات الاجتماعية المختلفة، وخصوصاً في الأجيال الجديدة التي تميل إلى تقاسم الآخرين أفكارهم ومحاكاة أنماط سلوكية وثقافية واحدة تكون أوسع وأكبر.
ويتناول الكتاب أثر تقنية المعلومات في تعميق الممارسة الديمقراطية، موضحاً الدور المتزايد لشبكة الإنترنت في تعزيز التغير السياسي ونشر الديمقراطية في العالم. ومن الأمثلة على ذلك أنشطة التعاون التي يقوم بها "مركز المشروعات الدولية الخاصة حول العالم" مع بعض المجموعات التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والإنترنت لدفع عملية التغيير ومساعدة الدول على اجتياز مرحلة التحول نحو السوق الحرة والديمقراطية. وهذه المجموعات التي تتواجد في آسيا وأوروبا تعتمد على الإنترنت للتأثير في الحكومات والتغلب على الرقابة ونشر المعلومات والوصول إلى قاعدة شعبية عريضة. وهناك مجموعات أخرى تستخدم الإنترنت لتوفير مصادر معلومات بديلة عن مصادر المعلومات والأخبار التي تسيطر عليها الحكومات.
وفي الجانب الاقتصادي، يحاول المؤلف البرهنة على أن استخدام المعلومات المميكنة في بناء المشاريع الإنمائية وتطوير الإنتاج كماً ونوعاً، له أطيب الأثر في تنمية هذه المشاريع في مجتمعات لجأت إلى تبني تقنية المعلومات مستلهمة حلولا جديدة كان غيابها يحول دون توصيل المعلومات والإفادة منها. وقد أدى نمو صناعة وتطوير الكومبيوتر إلى تبدل في أنماط العمل والحياة وتحويل المعلومات إلى عنصر أساسي ومهم في الدورة الصناعية والإنتاجية.
ويستعرض المؤلف جملة الملامح الأساسية لثورة المعلومات وأبعادها ومضاعفاتها، مبرزاً أوجه المرحلة التاريخية الفاصلة بين ظهور الطباعة وظهور تكنولوجيا الكومبيوتر، وأثر المزاوجة بين الكومبيوتر والوظائف الاتصالية الجديدة.
والواقع أن المعلومات أصبحت رأسمالا جديداً كغيرها من الرساميل الاقتصادية الأخرى، وأصبح الاقتصاد الصناعي متمحوراً حول خلق المعلومات وتوزيعها، بل إن المجتمع الصناعي تخلى عن مكانته لمجتمع جديد تعمل غالبية أفراده في مجال المعلومات وليس في إنتاج السلع والبضائع العينية. وباتت المعلومات تعد سلعة جديدة مصنفة جنباً إلى جنب مع الموارد الطبيعية كالغذاء والطاقة، مع فارق مهم هو كون المعلومات لا تبلى ولا تفنى بالاستهلاك. ومن خصائص المعلومات التي يعددها المؤلف؛ كونها حية على الدوام وقابلة للتجدد، ومهيأة للتوسع وقابلة للضغط والتكثيف والدمج والتلخيص وقابلة للاستبدال وقابلة للنقل والنشر والتوزيع.
ويشرح بتوسع الفكرة الأساسية لشبكة الإنترنت ونشأتها التي تعود إلى نهاية ستينيات القرن العشرين، وتكوين الشبكات الواسعة، وأنواع الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات لمستخدمي الشبكات، وكيفية استخدام الإنترنت على النحو الأفضل، ونموذج الإنترنت الكاملة الخدمات، وتكنولوجيا الطرق الرقمية.
لكن مع ذلك لا يضفي المؤلف طابع الإطلاق والشمول على نفاذية ثورة المعلومات وانتشار خدماتها؛ فبسبب عدم توافر أو ضعف كفاية البنية الأساسية للاتصالات في كثير من الدول، لا يستطيع الأفراد الحصول على المزايا الكاملة للإنترنت، وهناك صعوبات تواجه مستخدمي شبكة الإنترنت في الدول النامية، مثل سوء خطوط الهاتف، وانخفاض درجة الاتصال، أو غلاء أسعار الاستخدام. ولأنه لا وجود لمثل هذه الصعوبات أو "عوائق الثورة المعلومات