تحت عنوان "في إندونيسيا: تمازج فعلي بين الديمقراطية والإسلام" نشرت "وجهات نظر" يوم الخميس 29-7-2004 مقالاً للكاتب الأميركي جون هيوز تفاءل خلاله بالانتخابات الرئاسية الإندونيسية التي انتهت المرحلة الأولى منها في السابع من يوليو الجاري، ليصل إلى استنتاج مفاده أن هذا البلد "يدحض الرأي المتشائم الذي يقول إن الإسلام والديمقراطية يمضيان إلى الأبد في نزاع وخلاف". وضمن تعقيبي على هذا المقال أرى أن قيم الإسلام لا تتعارض مع الديمقراطية بل على العكس تعززها وترسخها، كما أن الإحصاءات التي ترد عادة في تقارير المنظمات الدولية المعنية بتنمية الديمقراطية، عادة ما تتجاهل حقيقة مفادها أن رزوح بعض البلدان الإسلامية تحت وطأة أنظمة ديكتاتورية لا يعني أن الدين هو المسؤول، بل ثمة قيم اجتماعية وتقاليد وثقافات ربما تقف حائلاً ضد تطور النظم السياسية في هذه البلدان. الغريب أن كثيراً من المحللين السياسيين الغربيين يحملون الثقافة الإسلامية مسؤولية التأخر عن اللحاق بركب الديمقراطية في بعض بلدان العالم الثالث، وهو استنتاج غير صحيح، خاصة وأن معظم الدول الإسلامية لديها دساتير وأحزاب للمعارضة ومجالس نيابية يتم اختيار أعضائها عن طريق الانتخاب. وعادة ما يكون فشل هذه البلدان في الالتزام بالمعايير الديمقراطية المتعارف عليها لدى الغرب نتيجة أخطاء فادحة في تطبيق الديمقراطية وفق المفهوم الغربي كعدم تداول السلطة بالطرق السلمية، أو هيمنة حزب سياسي واحد على الحكم، أو منع تشكيل الأحزاب السياسية، وجميعها أخطاء تنتهجها الأنظمة ولا علاقة للقيم الإسلامية بها من قريب أو بعيد. ولو تعاملنا مع الديمقراطية على أنها قضية عادية كالتنمية الاقتصادية مثلاً لوجدنا أن هناك بلداناً إسلامية نجحت في تحقيق تنمية اقتصادية في وقت قصير كماليزيا مثلاً، وذلك بالمقارنة بدول إسلامية أخرى تعاني من مشكلات اقتصادية جمة، ما يعني أن العبرة بالشعوب التي تطبق لا بالدين، لا سيما وأن هذا الأخير عادة ما يكون دافعاً قوياً نحو الديمقراطية والنمو.
محمود عبد الرحيم- أبوظبي