بعد أن برأ المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ساحة رئيس حكومة الائتلاف اليميني المتطرف في إسرائيل، زعيم حزب الليكود "آرييل شارون"، من التهم الموجهة إليه بالتورط في الفساد والرشوة في ما اشتهر باسم "قضية الجزيرة اليونانية" وبعد إغلاق هذا الملف، أصبح انضمام حزب العمل الإسرائيلي برئاسة "شمعون بيريز" إلى الائتلاف الحكومي أمراً محتملا. ولقد تزايدت فرص إقامة هذا "الائتلاف" تحديداً لأن شارون بحاجة إلى حزب العمل ذاك بعد أن فصل وزيري حزب الاتحاد الوطني اليميني المتطرف "أفيغدور لييرمان" و"بيني ألون" من الحكومة، وبعد أن قدم وزيرا "حزب المفدال" اليميني الديني المتطرف استقالتهما من الحكومة احتجاجاً على إقرار خطه شارون للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة ومن بعض مستعمرات"مستوطنات" الضفة. وقد صادق مكتب حزب العمل الإسرائيلي، بأغلبية كبيرة، على اقتراح إجراء مفاوضات على درب الانضمام إلى حكومة "وحدة وطنية" برئاسة شارون. وبالفعل، خوَّل مكتب الحزب رئيسه بيريز كامل الصلاحية لإجراء مثل تلك المفاوضات.
لا شك في أن دخول حزب العمل إلى حكومة ائتلافية برئاسة شارون يلقى مقاومة في أوساط كلا الحزبين. وفي هذا السياق، مما يجدر ذكره أنه، قبل انعقاد مكتب حزب العمل، اجتمع في مقر الحزب نحو 50 عضواً من النشطاء الذين يعارضون انضمامه إلى الحكومة. ويقود هذا الاتجاه نواب من الكنيست من أهمهم النائب "ايتان كابل" الذي قال في جلسة المكتب:"للأسف فقد فقدت قيادة الحزب الثقة بقدرتها على العودة إلى قيادة الدولة". ويبدو أن دخول حزب العمل إلى الحكومة لا يلقى معارضة من كوادر ونشطاء الحزب فقط بل إنه يتعرض للرفض أيضاً من قبل أحزاب إسرائيلية أخرى منها "حزب ياحد" الذي يرأسه الدكتور "يوسي بيلين" الذي طلب منه بيريز تأييد كتلته في "الكنيست" لدخول حزب العمل إلى الحكومة فرفض "بيلين" الطلب قائلا لبيريز:"أعتقد أنه من الخطأ تأييد شارون وحكومته"! أما رئيس "حزب ميرتس" السابق، النائب "يوسي سريد"، فقد أعلن نيته بكونه، في كل الأحوال، سيصوِّت ضد انضمام حزب العمل إلى حكومة برئاسة شارون. وفي النطاق ذاته، لكن على صعيد مختلف، لاحظ المراقبون أن المعارضة لدخول حزب العمل المعارض، من جانب الليكود، لا تقل شراسة! فـ"عوزي لينداو" الذي يقود الحملة ضد انضمام حزب العمل، يقوم بعقد اجتماعات ولقاءات متعددة مع محافل مختلفة في الساحة السياسية لتشكيل معارضة فعالة ضد دخول حزب العمل إلى الحكومة وضد الخطة السياسية التي يقودها شارون للانسحاب من قطاع غزة وبعض مستعمرات"مستوطنات" الضفة.
ويبقى السؤال: ما هي أهداف كل من حزبي الليكود والعمل من هذه المشاركة بالرغم من خلافاتهما السياسية المزمنة؟ في هذا النطاق، يقول معارضو الانضمام إلى الائتلاف من داخل حزب العمل إن شارون لن يسير في المسيرة السلمية وسيستغل "الحزب" لتحقيق عدة أهداف من أهمها الحصول على أغلبية برلمانية في "الكنيست" الإسرائيلي وبالتالي الاستمرار في قيادة حكومة إسرائيل (وفق برنامجه السياسي الخاص) لفترة إضافية. وعلاوة على ذلك، يقول العارفون ببواطن الأمور إن شارون سيستغل الأغلبية البرلمانية المريحة التي سيمنحه إياها انضمام حزب العمل إلى حكومته من أجل تقليص نفوذ خصومه داخل الليكود خاصة الوزراء الذين عارضوا خطته وصوتوا ضدها مثل الوزير "عوزي لنداو" وكذلك الثلاثي: بنيامين نتنياهو وزير المالية، و"ليمور ليفنات" وزيرة التربية، وسيلفان شالوم وزير الخارجية. ومن المؤكد في مثل هذه الحالة أن شارون سيستغل الفترة الزمنية الإضافية التي سيمنحه إياها حزب العمل في سبيل إعادة ترتيب حزبه الليكود من الداخل وترتيب خليفة له الذي من المرجح أنه سيكون "إيهود أولمرت"، حليفه الأوثق داخل الحزب والحكومة. أما المعارضة "الليكودية" لانضمام حزب العمل فتعود إلى عدة أسباب لعل أهمها عدم رغبتهم في إنقاذ شارون من المأزق الذي وضع نفسه فيه خاصة بعد رفض حزبه لخطته للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة وبعض مستعمرات الضفة!. ومن ناحية أخرى فإن معارضه الثالوث (نتنياهو، ليفنات، وشالوم) لحكومة فيها حزب العمل تعود إلى خوفهم من فقدان جميع أو بعض مناصبهم المهمة التي قد تذهب إلى ذلك الحزب. وهنا تتبدى عند هذا "الثالوث الليكودي" حقيقة أن معارضة أطرافه مشاركة حزب العمل إنما تنبع أيضاً من أسباب شخصية بالإضافة إلى الأسباب العقائدية.
على صعيد مختلف، فإن انضمام حزب العمل إلى الحكومة يحقق للحزب عدة أهداف منها: إجبار شارون (أو توهم إمكانية ذلك) على السير في المسيرة السلمية وبالتالي تنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة والمضي في وهم تطبيق خطة خريطة الطريق! كما أن أقطاب حزب العمل يأملون أن يؤدي انضمام حزبهم إلى الحكومة إلى زيادة التأييد الجماهيري لحزب العمل الأمر الذي افتقده لفترة طويلة خصوصاً إذا استطاع الحزب دفع شارون نحو تحقيق "سلام" وهدوء مع الجانب الفلسطيني وهو الحل الذي يحظي - وفق استطلاعات الرأي العام الم