بالنسبة لتلك الأجيال من العرب والأُفارقة التي عاشت وعايشت ثورة الثالث والعشرين من يوليو، والتي شهدت وشاركت في أيام انتصاراتها الباهرة وهزائمها المرة، فإن ذكرى الثورة العربية المجيدة لم ولن تفقد حرارتها، بل إنها مع مقومات أخرى، ما تزال تمدهم بالأمل - وهو أغلى قيمة يتمسك بها الإنسان- بأن ما يبدو الآن في دنياهم وكأنه ليل حالك السواد وبلا نهاية، من الممكن أن ينتهي إلى إشراق صبح جديد، تستعيد فيه وبه حياتهم معناها وقيمتها، ويستعيدون فيه وبه أوطانهم وأرضهم وكرامتهم وحريتهم المستباحة الآن والمستهدفة من كل قوى التسلط والاحتلال والمطامع الدولية. ذلك لأنه عندما تستعيد تلك الأجيال من العرب والأفارقة صورة وحال الوطن العربي وأفريقيا عشية انفجار ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، ويتذكرون كيف أن تلك الأوطان والشعوب كانت -إن لم تكن جميعها فمعظمها- تقع تحت نير الاحتلال والاستعمار الأوروبي، وكانت شعوبها المستضعفة تتعرض لأبشع ألوان الاستغلال والاضطهاد. عندما يرجعون ليستعيدوا صورة تلك الأوطان العربية والأفريقية بعد مرور عشر سنوات من عمر الثورة وكيف تغيرت خلالها صورة الحياة في أفريقيا والوطن العربي، وحققت شعوبها حلمها التاريخي في الاستقلال والسيادة والحرية، سيجدون أن ثورة الثالث والعشرين من يوليو وقائدها الشجاع جمال عبدالناصر، كانا بالنسبة للوطن العربي وأفريقيا في قلب تلك الأحداث والمعارك العظيمة التي غيرت صورة الوطن العربي وأفريقيا المستعمرة، ودفعت بهما إلى مركز الصدارة، ومنحت أفريقيا والوطن العربي صوتهما في المحافل والمجتمعات الدولية.
تلك السنوات من عمر الثورة كانت هي سنوات المعارك التاريخية العظيمة. تأميم قناة السويس، ودحر العدوان الثلاثي، وتحقيق الوحدة المصرية- السورية، واستقلال السودان، وسقوط حلف بغداد، ومعارك استقلال الجنوب العربي، ونهوض وانتصار حركات التحرر الوطني في أفريقيا في الشمال والجنوب والغرب والشرق الأفريقي. تلك السنوات ومعاركها المجيدة هي التي أوقدت جذوة الأمل وبعثت الثقة في نفوس تلك الأجيال التي عاشتها وعايشت أحداثها العظيمة، بأن الشعوب عندما تتحدد أهدافها وتتوحد صفوفها، وتمتلك الإرادة و العزيمة، وتتوفر لها القيادة الشجاعة والأمينة، فإنها قادرة على تحقيق ما يبدو وكأنه المعجزات. ولقد كانت للثورة ولقيادة عبدالناصر الشجاعة في دعم ومساندة حركات التحرر الوطني وطلائع الوحدة العربية، بل في المشاركة الفعلية في كل المعارك التي خاضتها الأمة العربية والشعوب الأفريقية في نضالهما من أجل تحقيق الاستقلال والحرية والسيادة الوطنية.
لقد مر هذا العام الرابع من الألفية الثالثة وحلت ذكرى ثورة يوليو المجيدة، والوطن العربي وأفريقيا في أشد حالتهما بؤساً ومعاناة، وعادت صورة الاستعمار القديم-الجديد تخيم على الوطن والقارة، ومشاعر الناس وروحهم المعنوية أصابهما الكثير من القنوط واليأس بل وفقدان الثقة في الحاضر والخوف القاتل من المستقبل الآتي. والشعوب في مثل حالنا هذه تعود دائماً لتاريخها القديم والحديث، تبحث في صفحاته عن لحظات وأيام مشرقة، حققت فيها ذاتها ووجودها الإنساني بقيمه المعنوية الباهرة. وأيام يوليو العربية- الأفريقية بعض تلك اللحظات والأيام التي تبعث ذكراها الأمل وتحيي الرجاء في أن هذا الليل الطويل والحالك الظلام، لابد أن ينتهي، وأن ينتهي إلى إشراقة فجر جديد تستعيد فيه الأمة والشعوب الأفريقية روحها ومكانتها في التاريخ.
وتلك بعض قيمة ما تبقى من ذكرى ثورة يوليو المجيدة وقائدها الشجاع جمال عبدالناصر.