من يتابع الحملة الإسرائيلية الشعبية على الأوروبيين بعد قرار محكمة لاهاي (9/7/2004) ضد جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل رغماً عن أنف العالم، سيفاجئه حجم الحقد الإسرائيلي الشعبي على أوروبا كلها. وقد تتبعت بعض التعليقات الطريفة التي اكتظت بها مواقع الإنترنت الإسرائيلية الشعبية والمثقفة، وأقتطف من طرائفها وغرائبها النماذج التالية:(إن هذه المحكمة ممثلة معاصرة لمعاداة السامية. إن الأوروبيين يناصرون الإسلام الشيطاني الذي سيستمر في سفك دمائنا. الأوروبيون هم الذين طردونا إلى إسرائيل. العالم كله- وليس الأوروبيين فقط- يتملقون العرب ولكن هذا لن يعني شيئاً فقد أصبح الجدار أمراً واقعاً. لماذا يقحم الأوروبيون أنفسهم بهذا الشأن؟. أخطأت أميركا حين أقامت هذه المحكمة. يوم صدور الحكم يوم أسود للعالم كله. الأمم المتحدة منظمة خربة، ولا يهم ما سيقولون فيها المهم ما ستفعله إسرائيل. نطالب بأن تقطع إسرائيل علاقاتها مع أوروبا كلها. يجب معاقبة القضاة الذين أدانوا إسرائيل ويجب جلدهم على مؤخراتهم. أحضروا لنا هؤلاء القضاة لكي نقوم بصلبهم على الجدار نفسه. أطالب باغتيال هؤلاء القضاة). وسيل التعليقات يملأ عشرات الصفحات، وهي بحاجة إلى دراسة نفسية لاستقراء آلية التفكير الجمعي الإسرائيلي الشعبي، وهي للوهلة الأولى تكشف شعوراً حقيقياً بالخوف من عمليات المقاومة الفلسطينية (كثير من التعليقات دعت الأوروبيين لأخذ الفلسطينيين إلى شوارع جنيف واستكهولم وباريس، ليقوموا بتفجير أنفسهم هناك كي يعرف الأوروبيون مع من يتعاطفون). كما تكشف التعليقات تطرفا عقائدياً وسلوكياً يبدو معه شارون معتدلا جداً. بعض التعليقات اتهمت شارون بأنه أكثر سوءاً من البابا لأنه قال إن وجود جيشه على أرض إسرائيل هو احتلال. فقد علق مواطن إسرائيلي بقوله: ماذا تنتظر من البابا ومن الأوروبيين إذا كان شارون يقول ذلك؟ كما تكشف التعليقات شعوراً عاماً بالغطرسة والاستعلاء على العالم كله، وتكشف عدم قدرة الإسرائيليين على التسامح ونسيان ماضي علاقة اليهود مع أوروبا. ففي كل تعليق إشارة إلى المحرقة وإلى جرائم النازية وكأنها حدثت البارحة، وتكشف نماذج التعليقات أن كتابها حاقدون تاريخياً على أوروبا يقول أحدهم:"علينا أن نقاطع منتجات أوروبا وبالذات فرنسا وألمانيا، يجب أن نهدم اقتصاد أوروبا". ويفلسف أحدهم (وهو يسمي نفسه – أيهود روزنبرج) أسباب العداوة بقوله: إن الأوروبيين ما زالوا يتهموننا بالرغبة في السيطرة على العالم، بل إنهم يتهموننا بأننا نستخدم دماء أطفال المسيحيين بفطيرة صهيونية، إن الأوروبيين يتجاهلون أن الذين يهددون البشرية اليوم هم المسلمون. ويكشف آخر عن ذاكرة لا تنسى بقوله: الأوروبيون هم الذين طردونا من أوروبا إلى إسرائيل. ويدعو أحد الحمقى الموتورين إلى القيام بعمل تخريبي في قلب أوروبا لتحذير هؤلاء الأوروبيين الذين يتطاولون على الإسرائيليين ويقول: في بعض الأحيان علينا أن نظهر القوة بدل العقل.
ويبدو أن الذي فجر كل هذه المشاعر الكامنة في النفس الإسرائيلية ضد أوروبا هو الاستطلاع الذي أجراه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي والذي كشف أن قرابة ستين في المئة من الأوروبيين يرون في " إسرائيل خطراً يهدد السلام العالمي". وقد انساق في حمى التصريحات مثقفون إسرائيليون ورسميون في مواقع مهمة عبروا عن خوفهم من أن تنزلق أوروبا مرة أخرى إلى فصول مظلمة من تاريخها كما قال الوزير الإسرائيلي شرانسكي الذي طالب الاتحاد الأوروبي بأن يعمل على وقف عملية غسل المخ ضد إسرائيل. وحتى شارون نفسه شارك في التصريحات النارية وحذر من تنامي معاداة السامية في أوروبا وربط ذلك بتنامي الحضور الإسلامي، واعتبر مسلمي أوروبا مسؤولين عن العداء الأوروبي للسامية، لكنه تجنب أن يواجه أحداً بحقائق تاريخية عن وجود عداء قديم للسامية في أوروبا قبل بروز الجالية المسلمة فيها فقال: إن معاداة السامية موجودة دائماً في أوروبا. ودعا اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل لإنقاذهم من الدول الموبوءة بمعاداة السامية وركز على يهود فرنسا بالتحديد لأن فرنسا بنظر الإسرائيليين من أكثر دول أوروبا كراهية لليهود على الرغم من قسوة الموقف الذي يبديه يهود فرنسا ومناصروهم من كل من ينتقد إسرائيل. وقد جعلوا منطقهم على النحو التالي: من ينتقد شارون وإن كان يهودياً فهو إذن مريض بداء كراهية الذات، فكل انتقاد لسياسة شارون هو معاداة للسامية، وكل من يدافع عما يسمى حقا للفلسطينيين هو معاد للسامية، وكل من هو ضد الصهيونية فهو إذن مع تدمير إسرائيل. وإزاء من يريد تدمير إسرائيل فإن كل شيء مسموح به، وما يفعله شارون هو دفاع عن إسرائيل لمواجهة الفلسطينيين الذين يجب أن يرحلوا، وليس لهم أي حق في إسرائيل.
ولكن هذا المنطق المتغطرس يستفز كثيرين من الفرنسيين ويدعوهم إلى الموضوعية، مما يجعل الإسرائيليين يخشون على الجالية اليهودية من الاعتداءات كما يزعمون. وهم في الحقيقة يريدون مبررات لجذب يهود أوروبا إلى إسرائ