يعتقد "المحافظون الجدد" في إدارة الرئيس الأميركي "جورج بوش" أن الشرق الأوسط هو أرض كالمريخ أو القمر سيهبطون عليها بمركباتهم الفضائية، وسيتجولون عليها دون أن يسألهم أحد من أنتم ومن أين أتيتم؟!. فمنذ أيام أعلن "محافظون جدد" في الكونجرس والجامعات ورجال أعمال أنهم قرروا إحياء "لجنة الخطر الحالي" التي تم تكوينها في الخمسينيات من القرن الماضي لمكافحة الشيوعية وسيكون هدف اللجنة في هذا الإحياء الثالث لها هو مكافحة ما سموه "الإرهاب الإسلامي".
يدعي أعضاء هذه اللجنة - وهم صقور إدارة بوش- أنهم يحاربون "حركة شمولية تتدثر بلباس الدين" ويقول رئيس اللجنة وهو "جيمس وولسي" المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إن الخطر الذي يجب مواجهته هو خطر على الولايات المتحدة وعلى الديمقراطية والمجتمع المدني في كل أرجاء العالم ثم يدعي أنهم يرغبون في مساندة ومساعدة الذين يسعون إلى نشر الديمقراطية والمجتمع المدني في الشرق الأوسط الموسع الذي يهدده "الإرهاب الإسلامي" الذي نبع منه! حسب زعمهم.
ويتناسى الأميركيون أن العداء الذي نما وتطور ضد الولايات المتحدة وتبلور في صورة إرهاب يستهدف الولايات المتحدة هو بسبب تصرفات واشنطن التي من الواضح أنها بدل أن تقوم بتصحيحها فإن فئة من "المحافظين الجدد" تأتي لتكرسها أكثر، وتضع أميركا في وضع أكثر خطراً وحرجاً، وتضع العالم العربي أمام خيارات صعبة، فهي بما قامت به وما تريد أن تقوم به من خلال "لجنة الخطر الحالي" فإنها تستثير مشاعر الكثيرين وتخلق لنفسها أعداء جدداً ليسوا حتى هذه الساعة في معادلة الأحداث وهذا ليس في صالح العرب أو الأميركيين!
البيت الأبيض واضح أنه لا يتغير عن انحيازه، ولكن الشعب الأميركي يجب أن يؤمن بأن الشعب العربي والمسلم لا يكن له إلا كل تقدير وإعجاب لما وصل إليه من تطور حضاري وتقدم علمي. وفي المقابل فان أي شعور سلبي يحمله أي إنسان في العالم في قاراته الخمس وفي القطبين الشمالي والجنوبي تجاه الولايات المتحدة هو بسبب السياسات التي تمارسها الإدارات الأميركية المتعاقبة.
وسأتناول ما يهمنا في منطقتنا العربية والتي يحب المحافظون الجدد أن يطلقوا عليها الشرق الأوسط، فدول وشعوب هذه المنطقة لم تكن في يوم من الأيام تعادي الولايات المتحدة، إلا أن سياسة إداراتها منذ احتلال فلسطين كانت تضيّع أية فرصة للتقارب بين دول هذه المنطقة والولايات المتحدة بسبب السياسيات المنحازة التي تتخذها الولايات المتحدة ضد العرب ومع إسرائيل. وما قامت به في حربي 1967 حين وضعت أسطولها تحت تصرف إسرائيل فانتصرت إسرائيل، لا يمكن أن ينساه العرب، وفي 1973 حين أرسلت إمدادات إلى إسرائيل لتحول هزيمتها إلى انتصار أيضاً.
وتاريخ الولايات المتحدة حافل بالتخلي عن العرب والتراجع عن وعودها لهم، والجميع يذكر ما حدث في بداية التسعينيات فبعد أن دعت الإدارة الأميركية العرب إلى مؤتمر مدريد الذي وافق العرب فيه على الشروط التي وضعها "جورج بوش" الأب مسبقاً وهو "الأرض مقابل السلام"، اكتشفوا بمجرد جلوسهم مع الإسرائيليين على "طاولة السلام الكاذب" أن الموقف الأميركي قد تغير ليصبح الشرط الجديد "بعض الأرض مقابل بعض الانسحاب"!. وبعد ذلك ذهب الفلسطينيون إلى "أوسلو" بهدف الوصول إلى سلام عادل على أساس قيام دولتين ولكنّ دولة لم تقم وسلاماً لم يتم إحلاله وبقيت الأرض كلها تحت يد الإسرائيليين وأميركا لم تعلق!
عندما ارتكبت إسرائيل مجازرها الواحدة تلو الأخرى ضد الفلسطينيين، وقفت أميركا مع إسرائيل، وأيدت تلك المجازر بل واستخدمت "الفيتو" أكثر من مرة ضد أي قرار يدين إسرائيل وكانت بذلك تقف ضد توجه العالم وليس العرب أو المسلمين فقط. في بداية عام 2003 قامت الولايات المتحدة بشن حرب على العراق على الرغم من الرفض العربي والدولي لهذه الحرب، إلا أنها تجاهلت كل الأصوات ودخلت العراق وخلقت لها أعداء جدداً.
مؤخراً عندما قررت إسرائيل أن تبني جداراً يقتطع 30 في المئة من الأراضي الفلسطينية -التي هي أصلا لا تتجاوز 20 في المئة من مساحة فلسطين- فإن الولايات المتحدة لم تعترض بل على العكس أيدت الجدار الإسرائيلي، وعندما رفضه العالم من خلال محكمة العدل الدولية كانت هي الوحيدة التي رفضت أن تدينه، ووقفت ضد أي قرار يصدر من مجلس الأمن في هذا الشأن فصدمت الفلسطينيين والعرب من جديد.
تلك عينات على ما بدر من بعض الإدارات الأميركية السابقة في حق العرب، وما تقوم به الإدارة الحالية وهو ما سيحدث في المستقبل، وحتى لا نُتّهْمَ بالتحامل فإنني اعرض عليكم ما قاله "جون كيري" المرشح الجديد للرئاسة الأميركية، فتصريحاته الأخيرة تؤكد أنه سائر على نفس الخط، فقد قال منذ أيام في حديث لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه في حال انتخابه رئيساً فلن يسعى إلى فرض تسوية، لأن إدارة مفاوضات سلمية تتعلق بإسرائيل. كما أنه نفى وجود شريك فلسطيني للسلام!. وقال إن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيركز على الحرب ع