إلى المرشح الديمقراطي "جون كيري": بناء على مشاركتي في صياغة الخطابات الانتخابية التي تلاها الرئيس الأسبق "رونالد ريجان"، أمام مؤتمرات حزبه القومية التي عقدت في عامي 1984 و1988، فإنني أود أن أسدي لك بعض النصائح، وأنت تستعد للإدلاء بخطابك في ذروة لقائك بحزبك وناخبيك، في المؤتمر القومي، الذي سيعقد ليلة الخميس المقبل من هذا الأسبوع. ومما لا شك فيه، أن خطاب القبول بالترشيح للمنصب الرئاسي، يعد خطاباً فريداً ومهما، من وجهة نظر الثقافة السياسية الأميركية، سيما حين يكون هذا الخطاب، صادرا عن مرشح ينافس وينازل الرئيس الحالي.
وهو خطاب لا يكتسب أهميته من حيث اتساع وضخامة عدد الجمهور الذي سوف تخاطبه لأول مرة فحسب، بل وللصورة التي رسمتها عنك الصحافة ووسائل الإعلام، فضلا عن توقعات حزبك نفسه للعقبات التي تعترض طريق فوزك. في هذا المؤتمر الحزبي الحاشد، عليك أن تحقق خمسة أهداف رئيسية هي: تعبئة قواتك وقواعدك الحزبية، تهذيب خطابك وهندمته، تحديد إطار قضايا الحوار حول الحملة الانتخابية، تقديم بطاقتك الرئاسية، وتحديد هويتك وشخصيتك.
ولكنك في "بوسطن"، ستواجه مصاعب جمة. فعلى رغم انقضاء عام كامل من هجومك المستمر، الشرس على الرئيس "جورج بوش"- في وقت وظروف مثيرة للجدل والخلاف- فإنك لا تزال تجاريه في استطلاع الرأي العام، الواحد تلو الآخر. ولكي أصدقك الحقيقية، فإنك لا تزال في موقف الحياد في نظر الجمهور، لكونك لم تشرح بعد، الكيفية التي سوف تعمل بها على تغيير نهج وأساليب ومضمون القيادة الأميركية. ليس هذا رأيي الشخصي، إنما هو رأي واسع النطاق في أوساط الناخبين والجمهور. أذكرك هنا، بأن "ديفيد برودر"ن كاتب صحيفة "واشنطن بوست" كتب في مقالة له يوم الأحد الماضي، عن أن عدم الارتفاع الواضح في الأصوات المؤيدة لك في استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخرا، قياسا لموقف الرئيس "بوش"، يشير إلى أنك لم تسوق نفسك كما ينبغي بين الناخبين الترجيحيين. كما حذر الكاتب نفسه، من أن تضيع فرصتك الذهبية والأخيرة، المتاحة لك، في المؤتمر القومي الديمقراطي، الذي سوف يعقد في نهاية الأسبوع الجاري. ففي هذا المؤتمر عليك أن تضع بصمتك الانتخابية الخاصة، وهي فرصة لا يمكن تفويتها بأية حال.
غير أن الذي يبدو لي في الواقع، أنك قد وضعت هذه البصمة سلفا، وهنا تكمن معضلتك. وأن المطلوب منك الآن، أن تعمد لتصحيح تلك البصمة الخاطئة. والخطأ الرئيسي هو أنك حاولت إرضاء كل الناخبين، وتراجعت هنا، وهاجمت هناك، حسب حالة الناخبين واهتماماتهم وأمزجتهم. وبذلك، فلقد خاطرت مخاطرة كبيرة، بالخوض في اللعب على أكثر من وتر وحبل، متناسياً الضرر الذي يمكن أن يلحقه بك عدم الثبات على الموقف الواحد، والتصريح الواحد حول القضية المعينة. يحضرني هنا أن الرئيس الأسبق "فرانكلين روزفلت"، كان قد حكى قصة حكيمة، أثناء خوضه معركة إعادة الترشيح للمنصب الرئاسي في عام 1940 عن تلك الحرباء المسكينة، ذات القدرة الفائقة على التلون والتكيف حيثما وضعت. فقد اصطبغت باللون البني، عندما وضعت على سجادة بنية، ثم انقلبت إلى اللون الأحمر، عند وضعها فوق سجادة حمراء، لكنها ماتت شر ميتة، عندما وضعت فوق وتد أسود، يستخدم لمنع إطار السيارة من التدحرج، فلقيت مصرعها المأساوي عندما انقلب لونها إلى الأسود، فسحقها إطار السيارة!
وعلى أية حال، فما من فرصة مواتية وأكثر أهمية، من خطاب انتخابي رئاسي متلفز، أمام مؤتمر حزبي بكل هذه الأهمية، كي توضح فيه أفكارك وبرامجك، وتطرح فيه بدائلك للجمهور الأميركي. هنا أذكرك بقولك في أحد تصريحاتك حول خفض القوات الأميركية الموجودة حاليا في العراق، "إن لدي خططاً محددة للكيفية التي ستنفذ بها هذه التخفيضات" ولكنك لم تمض خطوة بعد ذلك، للكشف عن ماهية هذه الخطط. وإن كانت لك هذه الخطط فعلا، فاعلم أن "الخطط السرية" ليست بضاعة انتخابية رئاسية جيدة، كي يقدم عليها جمهور الناخبين. اغتنم فرصتك الذهبية هذه، وأفصح مباشرة وبكل الوضوح والصراحة عما لديك في هذا الخصوص.
أما النصيحة الثانية التي أود إسداءها لك، فتتعلق بزميلك "جون إدواردز"، الذي رأيت ترشيحه لمنصب نيابتك في الرئاسة. ومع أن التطابق بينكما في الاسم الأول "جون" يبدو مربكا في حالات كثيرة للجمهور، الذي يختلط عليه الاسم، فلا يدري لأي الـ "جونين" تشير وسائل الإعلام والصحافة في بعض الأحيان، إلا أن ذلك يمكن تجاوزه لما هو أكثر أهمية. فالواقع السياسي يعكس حقيقة أنه ليس أهلاً لمنازلة نظيره في ثنائية "بوش-تشيني". وإن كان لك أن تمنحه اليد العليا على منافسه في الجانب الجمهوري، فإن عليك أن تعيد تأهيله أولا، وتمنحه المصداقية الكافية من خلال حديثك المرتقب، حتى يكون زميلا لك في المعركة الحاسمة. فقد كنت أنت من خلق هذه المشكلة، بهجومك الشرس عليه، يوم كان منافسا لك في الترشيح للمنصب الرئاسي. واعلم الآن، أن كل الكلمات وكل الهجوم الذي قدته ضده بالأمس، ستظل أصداؤه تجلجل في آذان الجمهور، نهاية الأسب