تتسع شيئاً فشيئاً دائرة الباحثين، من أكاديميين وسياسيين، بمعضلة "الإرهاب" في بلدان عديدة من الغرب والشرق. واتساعها يتم طرداً مع اتساع "الإرهاب" نفسه، سواء أتى من مرجعيات أفراد أم من مرجعيات مجموعات، وسواء تجلى في حقل سياسي أم في حقل اقتصادي أم عسكري... الخ. وفي سياق ذلك، راحت مصطلحات خاصة متمِّمة تجد طريقها إلى أذهان الناس، كما إلى المنظومات الاصطلاحية الأيديولوجية (الدينية والمذاهبية) في نطاق الدول والأحزاب ومؤسسات البحث العلمي، مثل إرهاب الدولة، والإرهاب العالمي. وفي هذا وذاك، يكاد "الإرهاب" يكون قد حُوِّل إلى المصطلح الأكثر حضوراً والأكثر قدرة على إزاحة المصطلحات السياسية والسوسيوثقافية الأخرى، مثل الديمقراطية والإصلاح والصراع الاجتماعي.
وعلى الأهمية السياسية والأيديولوجية الفائقة لهذا الأمر في المرحلة الراهنة، التي تشهد صيغاً خطيرة من الصراعات والحروب باسم مناهضة "الإرهاب"، من قبل دول عظمى خصوصاً دولة الولايات المتحدة، فإن "مؤسسات" البحث والدراسة ذات الطابع الاستراتيجي والاعتيادي في البلدان العربية لم تولِه أهمية في خططها وبرامجها (إن وجدت). فظلَّ هذا الأمر رهين السجالات والآراء والانطباعات، التي سمعها الناس وقرأوها وشاهدوها في أجهزة الإعلام العربية المنشغلة بأمور "أخرى" تتصل ببرامج معظمها سخيف في مادته، كما في شكل تقديمه (رياضة وغناء وسياسة وتربية وتوجيهاً دينياً... إلخ). أما القليل القليل مما قُدم للناس عبر أجهزة الإعلام والمؤسسات المذكورة، فقد أتى صرخة في واد.
من هنا، تأتي أهمية أي نشاط علمي جدّي جديد، تؤسس له مؤسسة علمية أو إعلامية في المجتمعات العربية، وهذا ما قد ينطبق على الندوة أو المؤتمر الذي أعلن أنه سينعقد بعد فترة كافية من التحضير العلمي في صنعاء (ربما في أواخر هذا العام الجاري). ومع الإشارة المريرة إلى أن المرجعيات العربية المعنية، هنا، لم تدلّل على قدرتها المستقبلية التشوُّفية بقدر ما ظلت أمينة لتقاليد اللهاث وراء الأحداث داخلاً وخارجاً، فإن القول يبقى صحيحاً وهو أن يبدأ المرء خير من أن لا يبدأ. نقول هذا، دون تناسي حقيقة جديدة برزت مع نشأة النظام العالمي الجديد "العولمي"، وهي التغير الذي ألحق بـ"الزمن التاريخي" تسارعاً مع تسارع تدفق الأحداث، مما راح يؤكد على ضرورة إعادة النظر في العلاقة الناظمة لهذا الزمن التاريخي، والحدث، والفعل البشري، وذلك على أساس أن يكون هنالك تساوق وتوازٍ بين هذه العناصر الثلاثة، في حد أدنى، أو على أساس أن يستبق الفعل البشري - بوصفه وعياً بالمستقبل والحاضر وممارسة اجتماعية حيّة- الحدثَ والزمنَ التاريخي، في حدّ أعلى.
في هذا المنعطف المعرفي والسياثقافي الاستراتيجي، نكون أمام استحقاقات "علم المستقبل" في الفكر العربي، ونكون - معه- أمام فراق نهائي لمثل ذلك القول السابق الذي أتينا عليه (وهو أن يبدأ المرء خير من أن لا يبدأ). فالوضعية الجديدة لم تعد تحتمل ذلك، إذ يظهر أنه مَنْ لا يبدأ في اللحظة التاريخية، يمكن ألا يُتاح له البدء، من حيث الأساس.
أمام تلك الأسئلة الجديدة، يغدو من الأساسي الحاسم أن يهيئ "مؤتمر الإرهاب" في صنعاء أقصى ما يستطيع لإنجاح حوارات علمية مستفيضة ودقيقة حول "الإرهاب"، تقدمها مجموعات عمل علمية من العالم العربي، كما من بلدان أخرى. وفي هذه الحال، نرى أن هنالك من المسائل المتعلقة بما نحن بصدده، ما نرى ضرورة إدراجه في المؤتمر والتهيئة له، بعمق وشمول. من هذه المسائل تبرز التالية: 1- الإرهاب لغة واصطلاحاً؛ 2- الإرهاب في التاريخ العربي و(العالمي)؛ 3- تجليات الإرهاب؛ 4- الإرهاب في بواعثه ضمن الوضعيات الاقتصادية والسياسية والإثنية الأقلّوية؛ 5- المرجعية السيكولوجية والسيكولوجية الاعتقادية للإرهاب؛ 6- آليات الإرهاب وحدودها؛ 7- المرجعيات التنظيمية للإرهاب؛ 8- الاستبداد القائم على استفراد السلطة والثروة والإعلام والحقيقة، وموقعه من "الإرهاب".
هذا ما يمكن أن يمثل محوراً أول في المسألة، أما المحور الآخر، فقد يتصل بالمسائل التالية: 1- بين الإرهاب الفردي والإرهاب الجمعي؛ 2- بين الإرهاب الفردي والإرهاب الرمزي (إرهاب الدولة)؛ 3- بين الإرهاب والمقاومة الفردية والجمعية المشروعة؛ 5- الإرهاب والحرب؛ 6- في سبيل التأسيس العربي لنظرية علمية في الإرهاب.
وثمة ملاحظة أخيرة: إن محاولة التعمية على جذور "الإرهاب" أو اللعب عليها، إنما هي نمط من "الإرهاب". ومن ثم، فالمعرفة والتنوير والعدل الاجتماعي والحرية إنما هي أقنية لابتلاع "الإرهاب".