المساءلة شيء مهم. وستتلقى الأمة خدمة سيئة إذا نجح المسؤولون – الذين لا يفعلون كل ما في وسعهم لمنع هجوم إرهابي أو الذين قادوا الأمة إلى حرب غير ضرورية – في تحويل اللوم إلى أحد غيرهم.
لكن تلك لم تكن هي الأخطاء الوحيدة الكبيرة التي حدثت في السنوات القليلة الماضية. فهل سيتم تحميل أحد المسؤولية عن سوء معالجة الوضع في عراق ما بعد الحرب؟
في الشهر الماضي علمنا أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ ضخمة على الحرب في العراق، لكنها تقول إنها على رغم ذلك لم توفّر حتى الآن أية مساعدات. فمن أصل 18.4 مليار دولار، وهو حجم المبالغ المرصودة لعملية إعادة الإعمار والتي وافق عليها الكونغرس، لم يتم إنفاق سوى 400 مليون دولار.
وكل المال الذي أنفقته سلطة الائتلاف المؤقتة التي أدارت العراق حتى أواخر شهر يوليو الماضي، أتى من مصادر عراقية، ومن عائدات النفط على وجه الخصوص. ويساعد الكشف عن هذا الأمر في تفسير لغز محير واحد، وهو لغز الإيقاع البطيء لعملية إعادة الإعمار التي ما يزال مطلوباً منها حتى الآن استعادة الكثير من الخدمات الأساسية إلى مستوياتها السابقة في فترة ما قبل الحرب. لكن ذلك يخلق لغزاً آخر: بافتراض أن سلطة الائتلاف كانت تنفق أموال العراق، فلماذا لم تكن أكثر حذراً في إجرائها للحسابات؟
عندما تتولى قوة أجنبية السيطرة على موارد أمة غنية بالنفط، فإن من المحتم أن تواجه شكوكاً حول دوافعها. ويكون السكان مستعدون كل الاستعداد للاعتقاد بأن الغزاة أتوا لأخذ نفط بلادهم، وسواء أكان هذا الاعتقاد عادلاً أم لم يكن. وطريقة التعامل مع شك كهذا تقتضي السماح بدخول أكبر قدر من ضوء الشمس، وذلك بتعيين مسؤولين ماليين اشتُهروا باستقلاليتهم ويمسكون دفاتر الحسابات الشديدة العناية بأدق التفاصيل ويرحبون بالتعاون مع مدققي الحسابات الدوليين.
لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً. فكل مسؤول مهم شغل موقع مسؤولية عن الأموال العراقية كان من صف الموالين لإدارة بوش. وقد ماطلت سلطة الائتلاف المؤقتة في إجراء تدقيق دولي للحسابات ولذا لم يبدأ إلا في شهر أبريل 2004. ومدققو الحسابات من شركة KPMG المعروفة، والذين تم تعيينهم من قِبل هيئة استشارية وجدوا، عندما بدأوا أخيراً مهمتهم، أنه لم يتم بذل أي جهد للاحتفاظ بسجل دقيق عن مبيعات النفط، كما وجدوا أن البنود المحاسبية الخاصة بصندوق التنمية من أجل العراق، ورصيده 20 مليار دولار، كانت مؤلفة في المقام الأول من "جداول حسابية إليكترونية وجداول محورية أنشأها محاسب واحد لا غير".
وقد واجه المحاسبون أيضاً مشكلة غياب التعاون معهم. ذلك أنهم كانوا محرومين من إمكانية الوصول إلى الوزراء الذين يقال إنهم متواجدون في ملحمة الفساد على جانب العراقيين الذين لهم ارتباطات بسلطة الاحتلال. وقد تم حرمان هؤلاء المحاسبين أيضاً من إمكانية الوصول إلى التقارير التي تتعلق بما وصفوه على نحو دقيق بأنه "عقود ذات مصدر وحيد". وها هي ترجمة ذلك: لقد تم تعطليهم والتعاون معهم عندما حاولوا اكتشاف ما فعلته شركة هاليبورتون بمبلغ قدره 1.4 مليار دولار.
وبإعاقة عمل مدققي الحسابات الدوليين، فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن فقط تغذي الشكوك حول إساءة التصرف بأموال النفط العراقي، بل كانت إضافةً إلى ذلك تنقض وعودها. فبعد سقوط صدّام حسين، منحت هيئة الأمم المتحدة للولايات المتحدة الحق في إنفاق عائدات برنامج النفط مقابل الغذاء، ولكن بشرط وحيد وهو أن يصاحب هذا عملية دولية معنية بالإشراف وتدقيق الحسابات.
وها هنا استطراد لما سبق: أجل، إنه برنامج النفط مقابل الغذاء الذي أدارته الأمم المتحدة والذي شفط منه الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين مليارات الدولارات. غير أننا نتوقع أن يتم اعتبار أميركا على معيار أعلى من ذلك.
وهناك أيضاً مزاعم تقول إن تحويل الانتباه عن عائدات صدّام حسين قد تم بمساعدة من مسؤولين فاسدين في الأمم المتحدة. وأعتقد أنه ينبغي علينا الانتظار لكي نرى ما سيكون على بول فولكر قوله باعتباره الرئيس المستقل للتحقيق الذي تُجريه الأمم المتحدة، وهو شخص من النوع الذي كان ينبغي أن يوظّفه الاحتلال الأميركي. وفي غضون ذلك، من الجدير بالذكر أن نقول إن هذه الاتهامات مؤسسة بأكملها على وثائق كان المقصود ألاّ تكون بحوزة أحد غير أحمد الجلبي الذي تعرّض هو نفسه للاتهام بالفساد. وهناك أيضاً قصص جانبية غريبة لافتة للنظر للفضول. ففي اليوم الذي أغارت فيه القوات الأميركية على مكاتب السيد الجلبي، أصدر زميل بريطاني لأحمد الجلبي تقريراً مدمّراً قال فيه لصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية إن هجوماً شديد الفاعلية إلى حد مدهش كان قد شنّه هايكرز (أي محترفي التخريب الحاسوبي) فأدى إلى إتلاف الملفات المخزونة على كمبيوتر الجلبي، بما في ذلك النسخ الاحتياطية عن هذه الملفات.
وبعد أن اختلفت الولايات المتحدة مع السيد أحمد الجلبي، تم سحب المسؤولية عن التحقيق في برنامج النفط مقابل الغذاء من أيدي حلفاء السيد ال