بعدما بدأ العالم يُضيّق الخناق على إرييل شارون بسبب مسألة الجدار الفاصل، بدأ أنصار رئيس الوزراء الإسرائيلي يصدحون بمقولة مفادها أن ما يحدث في غزة من اضطرابات يجعلهم غير قادرين على التخلي عن القطاع، وتنفيذ خطة الانفصال عنه في الوقت المحدد، لأن تدهور الأمن فيه، على حد قولهم، يعني تدهور الأمن في إسرائيل. وأصبحت هذه المقولة العذر الذي انطلقت به وسائل الإعلام الإسرائيلية في حملة مناهضة للانسحاب من القطاع. ولأن لعبة إسرائيل هي التذرع بـ"الإرهاب"، فقد بدأ الاستغلال الرسمي للأحداث الجارية في غزة من خلال التقرير الذي رفعته وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى مكتب شارون في اليوم التالي للمواجهات. وقد ورد في هذا التقرير أن على الحكومة الإسرائيلية أن توفر الظروف للسلطة لقمع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بشكل خاص، ونصح التقرير شارون بعدم المساواة بين "السلطة" و"حماس" و"الجهاد"، وبين "بن لادن" و"عرفات"، وذلك حتى يمكن إغراء السلطة بقمع التنظيمات الإسلامية، وحتى يمكن إقناع الإدارة الأميركية بضم هاتين المنظمتين إلى مجموعة المنظمات التي يجب استهدافها.
من كل ما سبق نستنتج أن ما يحدث اليوم من تمزق لوحدة الصف الفلسطيني، ليس فقط بسبب إدارة فلسطينية لم تبدأ في التغير إلا مؤخراً، ولا بسبب توتر العلاقات بين القيادة والحركات الإسلامية فحسب، بل أيضاً بسبب تدخل أميركا وإسرائيل، لأنه كما يبدو أنهما تشكلان الجهة الوحيدة المستفيدة مما يحدث، ولأنهما بارعتان في إيجاد ذرائع وأعذار واهية للوصول إلى أهدافهما، وفيما يتعلق بفلسطين لا مجال لواشنطن وتل أبيب أن تلعبا دور المتفرج. والمطلوب من تنظيمات المقاومة الفلسطينية خاصة الإسلامية منها أن تفهم "المطب" الذي تحاول أميركا وإسرائيل إيقاعها فيه، وأن تتصرف بمستوى من الحكمة يوازي نبل أهدافها.
سحر حسين سالم الحارثي - كلية تقنية المعلومات