الدهون، هي المادة الرئيسية التي تقوم عليها زيادة الوزن. والثمن الباهظ لأكل الحلويات اللذيذة التي نحبها، هو تلك الأحزمة المنتفخة من الدهون حول البطن والأرداف والتي تشكل الجزء الأعظم من الوزن، وعند بعض الأفراد، تكون أكبر مما تحتمل بنطلوناتهم وقمصانهم، وفساتينهن. إنها الشحم والدهون، المعروف عنها أن المليارات من خلاياها يمكن شفطها جراحياً، من جانبي الكليتين، والظهر، والبطن والردفين، وغيرها من مناطق تواجدها وتكدُسها. وعلى رغم المشكلات الصحية التي تسببها، إلا أنها لا تفتقر إلى من يعشقها، ويعجب بالنظر إليها ومغازلتها طويلا. ذلك هو على وجه التحديد ما يفعله الدكتور فيليب إي. شيرر، الأستاذ المشارك، المختص بتدريس مادة البيولوجيا الخلوية والطب، في كلية البرت آينشتاين الطبية، في مدينة نيويورك الذي يقول: لقد بقيت أعمل في هذه الخلايا لمدة تزيد على العشر سنوات، ومازلت أستمتع بالنظر إليها، وتأملها في كل مرة.
دفع الدكتور فيليب بطبق مليء بالخلايا الدهنية، تحت عدسة مجهره، في المختبر العلمي الخاص به، وشرع يشرح لأحد زواره في تلك اللحظة، خاصية قلما ينتبه إليها أحد في تلك الخلايا. وتتعلق تلك الخاصية بقدرة الخلايا الدهنية الفائقة، على التقاط الأشعة الضوئية، وعكسها على نحو مذهل ومثير للإعجاب. وقطعاً لشكوك زائره فيما سمع، عمد الدكتور إلى تكبير الخلايا نسبياً تحت عدسة المجهر، وجعل ضيفه ينظر من خلال العدسة من أعلى. فماذا رأى؟ رأى حقلا شاسعاً، مترامي الأطراف من الحلقات المشعة المتلألئة. والواقع أن ما رآه الضيف كان عبارة عن خلية دهنية ضخمة، مكتملة النمو، أو لنقل قطرة شحمية، كانت تشكل الخلية الدهنية بكاملها، وكانت نواتها قد انداحت قليلا إلى الخارج، وتم الدفع بها باتجاه الغشاء المبطن للخلية، بحيث بدت الخلية، وكأنها فارغة من الداخل. كان شكلها أقرب إلى بحر من الدهون المختزنة جزيئاتها، في تلك القطرة الصغيرة التي مثلت عينة معملية لها.
وقد راجت عند العلماء إلى أمد طويل، فكرة أن التكوينات الدهنية والخلايا التي تشكلها، تتسمان بالخمول وانعدام الحركة فيهما. غير أن البحوث التي أجريت خلال العقد الماضي، أثبتت أن الخلايا الدهنية، تتمتع بنشاط مذهل، وأنها تعمل كما لو كانت مختبرات كيمائية. بل أثبتت التجارب العلمية أن الجسم الدهني، في حركة دائبة لا تتوقف لحظة واحدة، وأنه يفرز العديد من المواد منها على سبيل المثال: مجموعة واسعة ومتنوعة من الهرمونات، وغيرها من الإفرازات الأخرى، ذات التأثير الضار في بعض الأحيان، على أنشطة وعمليات التمثيل الغذائي، والصحة العامة للأفراد.
وفي غضون السنوات الأخيرة، بدا العلماء أكثر قناعة وميلا، إلى تسمية الخلايا الدهنية بـ"الأعضاء الصماء" كناية عن المقارنة بين النشاط البيولوجي الذي تؤديه، والغدد الصماء، المسؤولة عن إفراز الهرمونات وغيرها في الجسم. ثم إن هذه التسمية، تشير إلى مقارنات بغدد أخرى شبيهة، مثل الغدة الدرقية والغدة النخامية. والمعروف عن الغدتين الأخيرتين، أنهما تفرزان الهرمونات مباشرة في المجرى الرئيسي للدورة الدموية. ولكن لكي لا تختلط علينا الأمور، فإن هناك تمايزاً رئيسياً بين تلك الغدد، والخلايا الدهنية. ويتحدد هذا التمايز والاختلاف، في عدم قدرة الخلايا المذكورة على النمو بحجم يقارب مجرد مقاربة، الحجم الذي يمكن أن يبلغه نمو الخلايا الدهنية. وإيجازاً لهذا الاختلاف، نقول إن حجم أي من الغدد المذكورة أعلاه، عادة ما يكون معلوماً ومحسوباً بالمليمتر ووحداته الأصغر. أما الخلايا الدهنية، فإن في وسع كل واحدة منها، أن تنمو نمواً مفتوحاً ولا نهائياً بالمعنى الحرفي للكلمة! ومن هنا فإن الكثرة المفرطة للخلايا الدهنية في الجسم، عادة ما تفعل فعل المادة السامة فيه. ذلك أنها تفرز مجموعة من الإفرازات والمواد المسببة لبعض الأمراض الخطيرة، مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، ومختلف أمراض الأوعية الدموية، وأمراض القلب، والسكتات الدماغية وغيرها من الأمراض التي تهدد مباشرة، صحة الإنسان وحياته. وتشمل قائمة الأمراض الناجمة عن الإفراط في السمنة وتراكم الخلايا الدهنية، النمو السرطاني المنفلت للخلايا الطبيعية في الجسم. ولكل هذه المخاطر الصحية، فإن العلماء الذين يعكفون على سبر أغوار بيولوجيا الخلايا الدهنية وفض أسرارها، يعملون بأقصى جهدهم، في سبيل تجنيب الأفراد الذين يعانون من الإفراط في تراكم هذه الخلايا في أجسامهم، تلك المخاطر. وفي ظل التصاعد الملحوظ لمعدلات البدانة وزيادة الوزن عالمياً، فإن مثل هذا الجهد العلمي، بدأ يكتسب أهمية خاصة، لم تكن له من قبل. فالإحصاءات الصحية العالمية تقول، إن هناك ما يزيد على المليار نسمة من سكان الأرض، يعانون من زيادة الوزن. هذا وتحتل زيادة الوزن، والمرضان المرتبطان بها المنتشران دولياً: أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، صدر قائمة منظمة الصحة العالمية الخاصة بالأمراض العشرة، الأشد خطراً والمهددة للحياة مباشرة.