باتت إدارة "بوش" تتعرض يومياً للانتقادات الشديدة بسبب الإخفاقات في العراق وأفغانستان، وهي تواجه أيضاً انتقادات بسبب إخفاقاتها في الاستعداد لمأساة 11 سبتمبر وفي الرد عليها. ونتيجة لذلك، تبنت الإدارة تكتيكاً أثبتت التجربة صحته ويقتضي تعكير المياه لتحويل انتباه الصحافة السلبية ومفاده لوم إيران على كل شيء.
في يوم السبت الماضي، صرّح الرئيس "جورج دبليو بوش" بأنه على الرغم من عدم عثور وكالة الاستخبارات المركزية الـ"سي آي إيه" على "ارتباط مباشر بين إيران وهجمات 11 سبتمبر"، فإننا "سنواصل البحث والتأكّد مما إذا كان الإيرانيون متورطين".
لكن لماذا؟ على رغم أن لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر قد وجدت ارتباطات بين إيران وتنظيم القاعدة وقرّرت أن بعضاً من خاطفي الطائرات يوم 11 سبتمبر ربما تم السماح لهم بالسفر عبر إيران، فإن اللجنة المذكورة لم تجد أي دليل يؤكّد أن المسؤولين الإيرانيين اشتركوا في مؤامرة 11 سبتمبر. وتشكّل الاتهامات الموجهة إلى إيران تحويلاً للانتباه، وهي اتهامات لا تقف عند حد التورط في أحداث 11 سبتمبر. وقد حاول المحللون لدى معهد "أميركان إنتربرايز" المندرج في تيار المحافظين الجدد في الجناح اليميني، ولدى غيره من الهيئات المشابهة، أن يحمّلوا إيران مسؤولية المعلومات الاستخباراتية المصابة بالعيوب والنواقص والتي تم تقديمها إلى إدارة "بوش"، وذلك لتبرير حرب العراق. ويقتضي السيناريو المطروح ما يلي: أرادت إيران من الولايات المتحدة الأميركية أن تخلصها من عدوها القديم صدّام حسين. ولذلك عملت الاستخبارات الإيرانية من خلال أحمد الجلبي رجل البنتاغون والزعيم العراقي الموالي الذي بات الآن مشوّه السمعة، وذلك بغية تقديم معلومات مضللة إلى المسؤولين الأميركيين حول أسلحة التدمير الشامل.
وقد تم اتهام إيران أيضاً بدعم رجل الدين العراقي مقتدى الصدر وميليشيا جيش المهدي في أثناء مقاومة الاحتلال الأميركي. وصدَر ذلك الاتهام عن عضو تيار المحافظين الجدد "مايكل روبن" الذي بقي حتى الآونة الأخيرة مستشاراً لسلطة الائتلاف المؤقتة التي تقودها أميركا. وقد عرض "روبن" أمام وزارة الدفاع الأميركية وأمام عموم الناس في مجلة "ناشيونال ريفيو أونلاين" مجموعة من القرائن التي تؤكد على وجود ارتباطات بين إيران ومقتدى الصدر، وهي قرائن مؤسسّة بشكل ضعيف على العلاقات الأسرية والشخصية. وكما كان متوقعاً، كانت العناوين الرئيسية التي تلت ذلك في الصحف تشكّل نسخاً من عبارة تقول إن "إيران تدعم تمرّد مقتدى الصدر!".
ويشكل "تقرير الذنب بالاتهام" ممارسةً قديمة وقائمة حتى الآن بين مسؤولي الإدارة ومن ينوب عنهم في المؤسسات والمراكز الفكرية والبحثية. فلأن إيران تُعتبر شراً في الذهنية العامة، فإن الإدارة الحالية ترجو أن تتم معاملة أي اتهام ضد إيران وكأنه حقيقة. ومن المرجح أن تترسخ هذه الفكرة بفعل التكرار. وإعلان الرئيس "بوش" عن وجوب التحقيق في تورط إيران سوف يتبعه من دون شك قيام الناطقين باسم الإدارة بالتطرق في المؤتمرات الصحفية والمقابلات إلى ذكر أن إيران قد تورطت على ما يبدو في قتل الأميركيين يوم 11 سبتمبر.
وفي مرحلة زمنية معينة، بدا أن الإدارة توجّه الاتهامات إلى إيران مسبقاً وقبل تنفيذ أي عمل عسكري ضدها. والآن، بات من الواضح أن أية فكرة تقتضي العمل العسكري قد وُضعت جانباً باعتبارها فكرة غير عملية، وهي بالفعل كذلك. والجولة الجديدة من توجيه الانتقادات العنيفة إلى إيران لا تشكل مقدمة تمهّد لغزو آخر يستهدف بلداً يطل على الخليج العربي، بل إنها تشكلّ تكتيكاً سياسياً في سنة انتخابية. والاتهامات، كما يبدو واضحاً الآن، من الممكن أن تثير مشاعر جمهور الناخبين الأميركيين وأن توفّر بياناً عملياً آخر يؤكد تصميم الرئيس "بوش" على مقاومة الشر في العالم. ومن المؤكد أنه ليس لتلك الاتهامات تأثير في إيران، باستثناء أنها ستزيد من عداء هذا البلد تجاه الولايات المتحدة.
ومن الجائز أن الإدارة الحالية ليست قادرة على مواصلة هذه اللعبة إلى أجل غير مسمى. وقد أصدر مجلس العلاقات الخارجية تقريراً متعقلاً وشاملاً يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان "إيران: حان وقت تبني منهج جديد"، وهو تقرير يدعو إلى إثارة الشكوك حول التوتر القائم ما بين الولايات المتحدة وإيران. ويعترف التقرير المذكور بأن إيران "لاعب ذو أهمية حساسة في التطور التالي للحرب" لكل من أفغانستان والعراق، وبأنها "لاعب لا يمكن الاستغناء عنه في الاقتصاد العالمي". ويؤكد التقرير على أن الولايات المتحدة وإيران كانت بينهما علاقات متبادلة ذات شأن وعلى أنه لابدّ من التعامل معها استناداً إلى أسس معتادة. ويدافع التقرير عن التخلي عن سياسة الإقصاء أو التغريب حيال إيران ويقترح "انخراطاً انتقائياً أو محدوداً مع النظام الإيراني الحاكم الحالي".
وقد اشترك في رئاسة المجموعة التي أعدّت التقرير كل من "زبيغنيو بريجينسكي" المستشار الرئاسي السابق لشؤون الأمن القومي الأميرك